لأنها مستشارة اجتماعية وتربوية علمتني زوجتي هذه القاعدة علما وعملا : «اعتذار الأطفال لا يرفع العقاب»..لقنتها لي لفظا حتي أتعامل بمقتضاها مع أولا دنا ولم أكن أفعل ! . وإذا لم أعاقبهم على أخطائهم خاصة المتعمدة منهم كانت تقوم هي بالمعاقبة لهم أولا ومن ثم توجيه لوم شديد اللهجة لي لأنني تقاعست عن العقاب . ومع مرور الوقت تبين لي حكمة القاعدة التربوية والاجتماعية والنفسيبة النفيسة ..وعمق أثرها في تكوين الشخصية السوية جزاها الله عني وعني أولادي خير الجزاء . جوهر المشكلة التربوية أن يعمد الطفل إلي إستراتيجية الاعتذار تجنبا للعقاب ، لأنه كلما اعتذر رفع عنه العقاب ، فيعلم أن الخطأ ثمنه اعتذار وليس عقاب . ولذلك إذا لم يكن هناك حزم وحسم في توقيع العقاب المناسب على الطفل ؛ سيعتاد الطفل على ذلك ومن ثم يخطيء متعمدا ويعتزر مهرولا استباقا للعقاب ، ومع مرور الوقت يتيقن أن الإستراتيجية ناجحة . وبالتالي اتفق خبراء التوجيه والإرشاد النفسي والتربوي على أن الاعتذار بهذه الطريقة يفقد قيمته في الشعور بالندم والاعتراف بالخطأ والعزم على عدم العودة للوقوع فيه مرة أخري . ومن ثم يفقد الطفل القدرة على تحمل المسئولية عن الأخطاء ، فعدم العقاب يجعل الاعتذار وسيلة مريحة للأطفال لقطع العقوبة ، لأنه عندما يعتذرلا يعاقب . يجب أن يعلم الطفل بالعقوبة التي سوف تطاله عندما يخطيء ، ثم عندما يقع الخطأ تنفذ العقوبة أولاً بحزم وحسم ثم يقوم بالاعتذار، وإذا تكرر الخطأ فلا مانع من مضاعفة العقوبة وبوسائل فعّالة بشرط الحزم والحسم والاستمرار حتى يقلع تمامًا عن السلوك المطلوب تغييره. إن الاعتذار مهم جدا في منظومة العقاب ولكن بعد توقيع العقاب وليس قبلها . فالاعتذار يتأتي بعد العقوبة لا قبلها ، بحيث يكون الاعتذار جزءا من العقوبة وليس معطلا للعقوبة , ويكون الاعتذار هو التعبير العملي عن وصول رسالة العقاب إليه. أي أنه عرف خطأه؛ ولذلك يعتذر عنه وقد دفع ثمن هذا الخطأ، وهذا ما لا يحدث في حالة الاعتذار قبل وقوع العقاب، وعليه فبعد الاعتذار مباشرة يعود الطفل لنفس السلوك السيئ. وفي حالة مثل حالة طفلنا الكبير (زياد) الذي صادف أنه عضو برلمان للأسف الديمقراطي الشديد ، فإن خطأه لم يكن خطئا عاديا ، بل كان خطئا فادحا ، كان من شأنه لولا حكمة الأطراف المعنية أن يتحول إلى كارثة طائفية وسياسية تترك آثارها العميقة على مفاصل الوطن والتي لم تعد تتحمل مزيدا من الإنهاك . فاالألفاظ النابية وغير المسئولة التي صدرت عن طفلنا زياد ، والأماكن التي صدرت فيها عنه تلك الألفاظ ، والمناسبة التي صدرت خلالها عنه تلك الألفاظ . جماهير غاضبة في مدينة مجروحة في حالة التعدي على رمز السلطة ، وبرنامج حواري على قناة مسيحية في حالة التطاول على الرمز الإسلامي ، بالإضافة إلى حالة الاحتقان السياسي والطائفي التي تمر بها البلاد والزمن القصير الذي شمل الحادثتين .
تلك الحيثيات تدل على أننا أمام حالة من انعدام الإحساس بالمسئولية والشطط والشذوذ العقلي والتربوي والنفسي والذي يسيطر على تكوين هذا الطفل ؛ الأمر الذي يحتاج إلى استخدام كافة وسائل الحسم والحزم المشروع التي تكفل إعادة التأهيل والدمج والانخراط السوي مع الأسوياء في الأنشطة السوية . وعليه فالجهات المعنية والمؤسسات المتضررة من السلوك الذي اتسم بالانحراف والصادر عن هذا الطفل يقع على عاتقها مسئولية عقاب هذا الطفل بحسم وحزم . ويجب عليهم عدم الاكتراث باعتذراه الذي خدع به أولياء الأمور ومن أخطأ في حقهم ؛ فجريمة هذا الطفل لم تكن دهس أصبع قدم أحدهم سهوا ؛ كي نقبل اعتذاره بهذه البساطة أو بهذه السذاجة . الحرية هي الحل .