(لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير لي من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين). كانت تلك من أغرب الكلمات التي وردت على لسان الأمير الأندلسي الشاعر المعتمد بن عباد؛ أحد ملوك الطوائف الذين حكموا الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية بالأندلس والتي أسسها صقر قريش عبد الرحمن الداخل والتي امتدت لحوالي ثلاثة قرون؛ فانفرط العقد إلى إحدى وعشرين مقاطعة ضعيفة على رأسها حكام أذلاء يحاربون جيرانهم المسلمين ويستقوون عليهم بالنصارى المتربصين حتى وصل بعضهم إلى دفع الجزية؛ ففتحوا شهية النصارى فطمعوا في التهام المدن الأندلسية مثل أشبيلية!؟. ونحن نقول أنها كلمات غريبة لأنها صدرت في وقت انحطاط على رأسه حكام منحطين متآمرين لا يهمهم إلا الملك والاهتمام بمهرجانات الشعر والفن والطرب طلباً للمجد الزائف ورغبة في الشهرة الزائلة ولمحاربة إخوانهم في العقيدة؛ فكان غريباً أن تستيقظ لأول وآخر مرة بقايا الرجولة وفتات الكرامة في نفس هذا الأمير ليفاجأ صعاليك الدنيا من أقرانه الحكام؛ فيخالف توجهاتهم ويطلب النجدة من بني دينه المسلمين وهم دولة (المرابطين) في المغرب الأقصى؛ فنصره زعيمهم الرائع يوسف بن تاشفين تحت راية الجهاد؛ فأذل قائدهم (الفونسو السادس) في (معركة الزلاقة)، وأوقف الزحف النصراني الذي زاد شهيته بعد سقوط (طليطلة)؛ وليوقظ دولة الأندلس المسلمة من جديد في موجة صعود أخرى بعد موجة انحطاط!؟. ملوك الطوائف يعودون: وعندما نتأمل حال أمتنا اليوم فنجدها تمر بحقبة أشبه بحقبة ملوك الطوائف في الأندلس؛ فهي مقاطعات مفتتة غير متعاونة تحميها جيوش ضعيفة مسيسة، تنظمها وتشكلها أياد أجنبية، يرأسها حكام ضعفاء متآمرون على جيرانهم ويحاربون إخوتهم ويستقوون بالقوى الأجنبية الخارجية على بني جلدتهم!؟. أحزابنا الثورية تدخل المنافسة: أما الأحزاب والمجموعات الثورية فقد دخلت حلبة السباق في تقليد ملوك الطوائف؛ فكل منهم وضع يده على مقاطعة حزبية أو مجموعة ثورية أو ائتلاف سياسي، وأصبحوا بعد شهور من ثورة 25 يناير في حالة من التفتت والتشتت والتباعد والتخاصم والتخوين والاتهام بالعمالة، والتحالفات المبتسرة، والتمويلات الداخلية المشبوهة، والأجنبية المريبة والموجهة!. ويؤجج هذه التنازعات والصراعات مجموعة إبليسية من دكاكين (التوك شو) الفضائية؛ التي تجيد فنون استقطاب بعض الثوار دون البعض بهدف بث روح الغيرة وإثارة الشكوك والريبة في النفوس، والتنافس في إشعال الأزمات والاتهامات التي تمس الأخلاق والذمم بل والشرف والأعراض!؟. هل من يقظة المعتمد؟!: وهنا نتذكر المعتمد بن عباد؛ فهو على ما كان به من أخلاقيات وكل مساوئ ملوك الطوائف إلا أنه في نوبة غريبة استيقظ ضميره وأجاد فن فقه الموازنات فاستعان بإخوة له في العقيدة على أعداء أمته من النصارى فكانت نقطة بيضاء في تاريخه الغريب المتقلب؛ فأعز نفسه وأعز دولته وأعز دينه، فكان له النصر والغلبة بمسحة من الكرامة والرجولة؛ حتى ولو كانت لفترة قبل أن يعود لطبيعة ملوك الطوائف فنفاه المرابطون ألى مدينة أغمات بأقصى بلاد المغرب على بغلة يركبها هو وزوجته اعتماد؛ الجارية التي سمى نفسه بها!؟. فهل سنرى في أمتنا وفي مسرحنا السياسي وفي عهد الربيع الثوري الآن من يستيقظ ضميره سواء من حكام أمتنا المفتتة أو من ثوارنا أو من أحزابنا؛ فيجيد فن فقه الموازانات ويفعل مثلما فعل المعتمد ولو لمرة في تاريخه فتحسب له ويذكره التاريخ بها؟!. أم سنقول لهم كما قال أحدهم: فاتكم القطار؟!. أو سنراهم لا يفهمون المغزى الرمزي لفقه الموازانات في كلمات المعتمد فيفضلون رعي الخنازير عن رعي الجمال!؟. د. حمدي شعيب زميل الجمعية الكندية لطب الأطفال (CPS) خبير تربوي وعلاقات أسرية [email protected]