كتب المستشار "طارق البشري" مقالا هاماً في جريدة "الشروق"اليوم ،الجمعة ، مؤكدا فيها أن وثيقة المبادئ الأساسية للدستور التي يتبناها الدكتور "علي السلمي"، نائب رئيس الوزراء ، تعد محاولة للالتفاف على إرادة الشعب، معتبرا أن هناك من يصرون على استبعاد الشعب المصري من أي شأن يكون له صلة برسم مصير الأمة ووضع نظمها السياسية، كما أن المجلس العسكري قابضا حتى الآن وإلى مدى غير محدد على زمام الدولة بكل هيئاتها التنفيذية والتشريعية. ومما يلي بعض ما جاء في المقال اليوم: "هناك من يصر على أن يستبعد الشعب المصري من أي شأن يكون له صلة برسم مصير هذه الأمة ووضع نظمها السياسية، ويصر على استبعاد الإرادة الشعبية من أي أثر فعال يكون لها في تحديد مستقبل مصر. نلحظ ذلك واضحا في هذا الصخب الشديد الذي تثيره الأقلام والألسن في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية على مدى الأشهر الثمانية الماضية من أواخر فبراير 2011 حتى الآن، ويظهر ذلك واضحا أيضا في السياسات التي يتخذها كبار المسئولين في الحكومة التي تشكلت بهيئات وأشخاص مختلفة في تلك الشهور وحتى الآن." "هذه التشكيلات الحكومية يختارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، القابض حتى الآن وإلى مدى غير محدد على زمام الدولة بكل هيئاتها التنفيذية والتشريعية. كما يظهر ذلك أيضا في تلك التوافقات السياسية التي صدر التعبير عنها فيما عرف باسم "مجلس الحوار الوطني"، و"مجلس الوفاق الوطني" الذين كان شكّلهما الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء السابق، ثم فيما عرف من مجالس ولقاءات واجتماعات جرت مع التعديل الوزاري الأخير عن "المبادئ الدستورية" و"المبادئ الحاكمة للدستور"، وأسس اختيار الجمعية التأسيسية التي تضع الدستور مما جرى ويجرى على عهد الدكتور على السلمي نائب رئيس الوزراء الذي خلف سلفه السابق في ذات اختصاصه".
"ونلحظ هذه الصلة الحميمة المتوافقة بين أجهزة الإعلام المقروء والمسموع والمرئي الذي تسيطر عليه جمهرة من رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم في العهد البائد قبل ثورة يناير سنة 2011 من خلال علاقاتهم بالسلطة البائدة، نقول هذه الصلة الحميمية المتوافقة بين هذه الأجهزة، وبين هذه السياسات التي يعمل على املائها نواب لرئيس الوزارة متتالين، وبين من يسمون أنفسهم "كافة القوى السياسية"لأحزاب قديمة وجديدة وشخصيات ذات حضور إعلامي واسع الانتشار وكثيف الظهور " . "دليل ذلك أن نحو 95٪ من وسائل الإعلام المقروء والمرئي كانت ضد التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها في 19 مارس سنة 2011، وقطعوا بعدم مناسبتها أحزابا وجماعات نخبوية، وجاءت نتيجة الاستفتاء تفيد أن نحو 95٪ من خطاب النخب ومن حملات الإعلام هذه لم تؤثر إلا في 22٪ من الأصوات، وأن 77.2٪ من الأصوات كانت ضد كل ما جهدوا في سوقه من الحث عليه من مواقف، وإذا نظرنا إلى الجهد المؤسسي الذي قامت به الإدارة الكنسية لرفض التعديلات الدستورية وحث من تؤثر فيهم إلى الذهاب للتصويت والتصويت بالرفض، وهؤلاء في تقدير البعض لا يقل عن 10٪ من أصوات الناخبين في الاستفتاء، فيكون كل ما أثر فيه النخب والإعلام بغير الأثر الكنسي لا يزيد على 12٪ من الأصوات أي حوالي مليونين أو أكثر قليلا. على أية حال، فقد قرر الشعب المصري في استفتاء حر ونزيه وبأغلبية تصل إلى 77.2٪ على عدد محدد من الأحكام الدستورية، أولها أن ثمة فترة انتقالية لا تزيد على سنة واحدة إلا بشهرين أو ثلاثة من مارس سنة 2011 تجرى فيها انتخابات لتشكيل مجلس شعب ومجلس شورى بضمان نزاهة الانتخاب بواسطة الإشراف القضائي الكامل الشامل الملزم، وأن يجرى انتخاب رئيس جمهورية بعد ذلك مباشرة وأن يختار المجلسان النيابيان جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد لمصر خلال مدد لا تزيد على سنة وخمسة عشر يوما من تمام انتخاب المجلسين، وفى ظل مؤسستين تنفيذية وتشريعية منتخبة. وكل ذلك كان من المقدر أن ينتهي بحده الأقصى في يونيو سنة 2012."
"جاءت بعد ذلك فكرة تجميع هذه النخب أو من يعبر عنهم في اجتماعات سميت بالحوار الوطني وبالوفاق الوطني على عهد الدكتور يحيى الجمل، لتضع مبادئ وقواعد حاكمة للدستور الجديد المرتقب ولفرض نوع من الوصاية النخبوية على الإرادة الشعبية المرتقبة من خلال انتخابات مجلسي البرلمان وما يختاران من جمعية تأسيسية. فلما فشلت هذه المحاولة جاءت المحاولات الأخيرة للدكتور على السلمي، وآخرها المحاولة الراهنة «وقد لا تكون الأخيرة» للالتفاف على الاستفتاء الشعبي القائم وعلى الإعلان الدستوري الصادر متضمنا إياه في 30 مارس سنة 2011، وللعدول على ما رسم هذان النصان من مخطط ديمقراطي وانتخابي شعبي مطروح، ولفرض وصاية نخبوية لم يثبت لها أدنى تأييد شعبي ظاهر، على إرادة شعبية دستورية متحققة فعلا بعمل استفتائي نزيه شارك فيه أكثر من 18 مليون مصري، وهو يطمح إلى إجراء انتخابات تكشف عن إرادة شعبية تكون قاعدة تنظيمية مؤسسية لإعداد الدستور الجديد." "على أية حال، فإن هذه المبادئ لم تصدر بحسبانها رأى مفكر أو مفكرين معينين يقدمون وجهات نظرهم للرأي العام لتتداول فيما يتداول من آراء، ولكنهم يعتبرونها المبادئ الأساسية للدستور ويقدمها نائب رئيس الوزراء لشئون المسألة الديمقراطية، وتصاغ بحسبانها ما تتراخى عليه "الأحزاب والقوى السياسية" بغير تعيين لها ولا تخصيص، وأنها مبادئ الدولة الحديثة، وحتى طريقة الصياغة اللفظية توحي بأنها أحكام باتة يتعين الأخذ بها بتحديدات وضبط للعبارات لا يكون إلا من ذوى سلطة في التقرير. وهو ذاته الأمر الذي يتعين أن ينكره القارئ لأنه لا يملك سلطة التقرير في المبادئ الدستورية إلا الإرادة الشعبية التي تقدم لها مشاريع وثائق من جمعية تأسيسية يختارها المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى المختارون في انتخابات عامة طبقا لاستفتاء 19 مارس سنة 2011." " وأن ادعاء تمثيل الشعب بغير هذا الطريق المرسوم دستوريا غير صحيح، لا من حيث التشكيل المؤسسي الدستوري القائم، ولا من حيث القوة السياسية الشعبية التي تملك تنظيمات لها قدرة على تحريك شعبي واسع وفعال. ويبقى السؤال هائما، من أي مصدر للسلطة المدعاة لبعض النخب أن يقدم صياغات باتة وملزمة في هذا الشأن، ولا يملك أحد ولا مجموعة فرض وصايتهم على الشعب وحركته ومؤسساته الدستورية."