كتب الكاتب ألوف بن في صحيفة نيويورك تايمز : إن القادة السياسيين الإسرائيليين مصابون بالارتباك بشأن كيفية التحرك والتفاعل مع الأحداث، وإنهم يبدون أمام حالة من قبول الواقع. وأوضح الكاتب في مقال نشرته له صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن القادة الإسرائيليين ربما ينظرون إلى ما يجري في الساحة العربية فيظنون أنه بمقدورهم الاعتماد على أصدقائهم التقليديين فيها. وأكد على أن الغرب ربما بدأ يكن مشاعر الكره تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل سياساته القمعية تجاه الفلسطينيين، ولكن إسرائيل تبقى الدولة الوحيدة في المنطقة التي تساند الديمقراطية الأميركية في الشرق الأوسط، وعليه، فلماذا لا ينظر الغرب إلى إسرائيل بصفتها الدولة الحليفة في المنطقة المضطربة؟ ولكن كيف للغرب أن ينظر إلى إسرائيل كدولة حليفة في ظل السياسات التي يتبعها نتنياهو تجاه الفلسطينيين في المنطقة؟ ثم إن على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يغتنم الفرصة التي منحه إياها الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن السلام في الشرق الأوسط، فالوقت يمر، ونتنياهو ومعه إسرائيل يخسران الفرصة تلو الأخرى. وأشار الكاتب إلى أن إسرائيل ربما كانت مطمئنة على مدار ثلاثين سنة مضت، في ظل وجود أنظمة عربية دكتاتورية كتلك التي كانت في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والذي حافظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل وعمل كحارس أمين للدولة الإسرائيلية، وأما النظام الدكتاتوري في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد فكان عدوانيا وفاجأ إسرائيل في أكثر من مناسبة. وتخشى إسرائيل من أي تغيرات جديدة في حكومات المنطقة مخافة أن يتولى الإسلاميون زمام السلطة فيها، كما حدث في إيران عام 1979، كما أن توقعات إسرائيل في الانتقال السلمي للسلطة في مصر باءت بالفشل، فسرعان ما أسقطت الثورة الشعبية المصرية نظام مبارك، وانتشرت الثورات الشعبية في المناطق العربية كالنار في الهشيم. وأما نتنياهو فزاد في الإنفاق على الدفاع لتشييد جدار على طول الحدود مع مصر، وأبقى عينا مفتوحة على مصر وأخرى على إيران التي ما فتئت مخاوفه إزاء برنامجها النووي تقض مضجعه بشكل متواصل. والأدهى والأمر بالنسبة لنتنياهو هو الهواجس التي تنتابه إزاء الثورة الشعبية السورية، والتي تبدو متقدمة بلا هوادة أو رجعة، فإسرائيل مندهشة إزاء من يمكنه السيطرة على الصواريخ السورية إذا ما انفك لجامها. بشار الأسد وأوضح الكاتب أن الرئيس السوري الحالي بشار الأسد ربما يسعى لتوريط إسرائيل في حرب من أجل أن يشتت الانتباه عن الثورة الشعبية في بلاده والتي تنادي بإسقاطه وإسقاط نظامه، ودلل على أن الأسد سمح للفلسطينيين في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران بالتوجه إلى الحدود ومواجهة القوات الإسرائيلية عند بعض النقاط الحدودية، ولكن حيلة الأسد فشلت، وبقيت الثورة الشعبية السورية مشتعلة. وأما نقطة التحول بالنسبة لإسرائيل فتتمثل في رؤيتها الأسد يترنح، وبالتالي إلحاق الضعف بالتحالف السوري الإيراني، كما أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بدأت تتجه في علاقاتها إلى مصر وبعيدا عن إيران. وأما تركيا -وفي ظل برود العلاقة مع إسرائيل منذ أكثر من عام- فهي تبدي رغبة في ترك الأسد لمصيره والتوجه إلى علاقات أقوى مع المعسكر الأميركي. وحتى حزب الله اللبناني اتخذ جانب الحيطة والحذر ولم يتورط في الشأن السوري الداخلي، والأهم هو أن الحكام الانتقاليين الجدد في القاهرة أبدوا استعدادا للإبقاء على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو الشأن الذي يشغل بال تل أبيب أكثر ما يكون. ويبدو أن نتنياهو -والقول للكاتب- استشعر ما يجري في الساحة، فهو دعا حكومته إلى العمل على كسر العزلة الدولية التي تعانيها إسرائيل جراء الصراع مع الفلسطينيين، وبدأ يتقرب من تركيا، وأطلق حملة دبلوماسية ضد مساعي الفلسطينيين للحصول من الأممالمتحدة على اعتراف بدولة لهم في سبتمبر/أيلول القادم. كما أن نتنياهو شجع اليونان على تعطيل انطلاق رحلة أسطول الحرية 2 المتجه إلى غزة. ولكن الانتصار في الدبلوماسية يشبه إلى حد بعيد الانتصار في المعارك الحربية، فنتنياهو عندما زار الولاياتالمتحدة في مايو/أيار الماضي أشعل حربا مع الرئيس الأميركي أوباما بشأن استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، مما زاد من شعبية نتنياهو في إسرائيل، وأدى إلى ابتهاج لدى الجمهوريين الأميركيين، ولكن ذلك قد يكلف إسرائيل الكثير على المدى البعيد. وصحيح أن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى إسرائيل، ولكن إسرائيل أكثر حاجة بكثير إلى الولاياتالمتحدة، فالقضية الفلسطينية لم تزل قائمة، والمستقبل غير الواضح في الشرق الأوسط قد يجلب معه الكثير من المتاعب، والأمور في المنطقة تسير من سيئ إلى أسوأ بالنسبة لإسرائيل. وإذا ما انتقلت شرارة الثورة الشعبية إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية في سبتمبر/أيلول القادم، فقد تتحول المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في نيويورك بشأن السعي لاستئناف مباحثات السلام إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة لا تبقي ولا تذر. وكان يفترض بنتنياهو استغلال فرصة الثورات الشعبية العربية من أجل الوصول إلى تفاهم مع أوباما مبني على أواصر قوية من الصداقة الأميركية الإسرائيلية، وكان يجب على نتنياهو العمل على إيجاد صيغة من شأنها دفع مباحثات السلام إلى الأمام، بدلا من استعدائه الرئيس الأميركي. وقد لا يبدو الوقت متأخرا كثيرا بالنسبة لنتنياهو ليقوم بتعديل الأمور وإصلاح ما أفسده، فهو حصد بعض الثمار الناضجة جراء الثورات الشعبية العربية، ولكنه لا يزال يعاني مخاطر سياسية في بلاده. وأما إذا ما أبقى نتنياهو على حال الجبن والخوف التي تسيطر عليه، وأبقى بالتالي على استخفافه بالأمور، فإن ذلك سينعكس وبالا على إسرائيل في نهاية المطاف، وذلك عندما تصل العواصف العربية الشواطئ الإسرائيلية. وقبل أن يمر الوقت، يقول الكاتب إنه يجب على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتصف بالقوة والشجاعة وأن ينضم إلى أوباما في دبلوماسية خلاقة من أجل تجنيب إسرائيل النتائج الكارثية المتوقعة في سبتمبر/أيلول القادم، وأن يشجع على اتفاق سلام مستقر مع الفلسطينيين.