فى مداخلة على أحد القنوات الفضائية سأل متصل " لماذا نحتاج لدستور وهل فعلاً نحتاج إلى دستور؟ " وكانت الصاعقة حيث كان الضيف الذي أجابه على سؤاله عضو في حزب الحرية والعدالة وعضو في الجمعية التأسيسية وكانت إجابته كالتالى "نعم بالتأكيد نحتاج لدستور ...... فكل الدول الحديثة عندها دساتير". وفى هذه اللحظة تذكرت الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن " فهل وصل الأمر إلى هذا الحد أن يكون واحداً من المحسوبين على النخبة وعضو فى أعلى الأحزاب شعبية وأهم الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامى وأحد أعضاء لجنة صياغة الدستور يعتبر أن الحاجه لدستور هو مجرد إتباع للدول الحديثة ! فما بالك بالعامة !!!!! ولو قال الدول المتقدمة لكان أفضل بعض الشئ وأن كان مجرد الإتباع لن يكن أبداً سبب. وأعتقد أنه من الضرورة الأن وقبل أن نغوص فى مناقشات مسودة الدستور أن يسأل كلٌ منا نفسه هذا السؤأل. ويجب أن أسجل هنا أن مقدم البرنامج كانت له مقدمة بسيطة جميلة للتعريف بالدستور بشكل عام وسأقتبس من أقواله بعض الفقرات. يعًرف الدستور على أنه مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة وانتقالها وممارستها ، أي تلك التي تتعلق بالتنظيم السياسي». أو أنه «وثيقة أساسية أقرتها سلطة خاصة وفق إجراءات خاصة لتحديد وتنظيم شؤون الحكم وعلاقته مع المواطنين . وهو أيضا القانون الاسمى بالبلاد وهو يحدد نظام الحكم في الدولة واختصاصات سلطاتها الثلاث وتلتزم به كل القوانين الأدني مرتبة في الهرم التشريعي فالقانون يجب أن يكون متوخيا للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح يجب ان تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة اذا ما كان القانون نفسه متوخيا القواعد الدستورية. وفي عبارة واحدة تكون القوانين واللوائح غير شرعية اذا خالفت قاعدة دستورية واردة في الوثيقة الدستورية. فعلى سبيل المثال يقول المشرع الدستورى أن "المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة ، لا تمییز بینهم فى ذلك ؛ بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدین أو العقیدة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى أو الإعاقة" ,أى أن كل مواد القانون يجب أن تلتزم بهذا المبدأ وأى قانون يخالف ذلك هو غير دستورى , فالجزأ الأول من هذه الفقرة هو قيمة من القيم المتفق عليها أو شبه المتفق عليها فى كل الأعراف السوية . بوضوح أكثر لايمكن أن يقر أى قانون فى أى نظام سوىً مبدأ عدم المساواة وبذلك تكون هذه الفقرة ومايشبهها مجرد حشواً لا ينفع ولا يضر , وإن كان لنا هنا تحفظ وهو : أن مبدأ المساوة لايستقيم بلا عدل وهذا واضح فى أحكام الشريعة حيث أن العقوبة تختلف باختلاف حالة مرتكب الجريمة (عقوبة الزنا مثلاً للأمة نصف ما على الحرة) كما فى قول الله سبحانه وتعالى :" وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿النساء: 25﴾ , فهذا إقرار لمبدأ أسمى من المساواة وهو مبدأ العدل حيث أن عقوبة الزنا للأمة نصف ما على الحرة وكذلك فى مواطن أخرى أن عقوبة الصبى الحدث تختلف عى عقوبة البالغ الرشيد والشيخ العجوز...... , فيكون بذلك فى هذه الفقرة نقصان واضح فى الصياغة. وقد رأينا كيف أُستخدمت هذه الفقرة كما وضحنا فى مقالات سابقة فى الحكم بعدم دستورية قانون العزل السياسى حيث طبقت مبدأ المساواة بين عناصر النطام السابق الفاسد وباقى المواطنين . من المعروف أن السبب الأساسى لوجود هذه الفقرة فى دساتير الدول الحديثة هو أن معظم هذه الدول دونت دساتيرها بعد عصور الظلمة ( العصور الوسطى ) حيث كانت العنصرية وعدم المساوة متفشية , فكان ذلك ضرورياً لهم . لاشك أيضاً معظم دساتير الدول الحديثة التى دُونت بعد عصور الظلمة ( العصور الوسطى ) رسخت مبدأ فصل الدين عن الدولة إعتقاداً منهم أن الدين والكنيسة هو سبب تخلفهم فى هذه العصور, ولذلك نجد كلمة الدين فى سياق فقرة المساوة. وهذا مايخالف ما نعتقد نحن فيه وهو أن الدين ( الإسلام ) كان سبب تقدمنا فى الماضى وليس تخلفنا و أن سبب تخلفنا بعد ذلك هو البعد عن الدين . وبذلك نكون قد وصلنا إلى أكثر المواد جدلاً فى مسودة الدستور والمنقوله من الدساتير السابقة , المادة الثانية , التى سيكون موضوع المقال القادم بإذن الله. ولكن يبقى السؤال مطروحاً " لماذا نحتاج لدستور وهل فعلاً نحتاج إلى دستور ؟!! "