مفهوم الأقلية لم يتفق الباحثين فى ميدان الدراسات الاجتماعية والقانونية والحقوقية ، على تعريف محدد " للأقلية " أو الجماعة الصغيرة ، ولعل صعوبة التوصل لتعريف جامع مانع محدد للأقلية يكون مقبولاً على المستوى العالمى ، يرجع إلى تباين وضع الأقليات فى أنحاء العالم ، إلا أنه تم التوصل إلى توصيف مقبول إلى حداً ما ، يتضمن خصائص متعددة للأقليات ويغطى حالاتها المختلفة ويشمل كافة الجوانب ، حيث قالت الدراسات بأن الأقلية هى " مجموعة غير مهيمنة من الأفراد الذين يشتركون في خصائص قومية أو أثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف عن خصائص غالبية السكان" (1). ولقد عرفت " الموسوعة الأمريكية " الأقليات على أنها: "جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه ، وتمتلك قدراً أقل من القوة والنفوذ تمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع ، وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الإستمتاع الكافي بإمتيازات مواطني الدرجة الأولى". فيما ذكرت موسوعة "ويكبيديا " تعريف الأقلية بأنها " هي جماعة فرعية تعيش بين جماعة أكبر، وتكون مجتمعاً تربطة ملامح تميزه عن المحيط الاجتماعي حوله ، وتعتبر نفسها مجتمعاً يعاني من تسلط مجموعة تتمتع بمنزلة اجتماعية أعلى وإمتيازات أعظم تهدف إلى حرمان الأقلية من ممارسة كاملة لمختلف صنوف الأنشطة الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية ، بل تجعل لهم دوراً محدوداً في مجتمع الأغلبية ". والجدير بالذكر أن مصطلح الأقلية هو مصطلح أجنبى استعمارى لم يعرفه المسلمون ولم يعرف في الإسلام ، استخدمته الدول الاستعمارية كسلاح فعال للتدخل فى شئون الدول الأخرى ، للتفريق وتمزيق شعوبها لكى يسهل استعمارها والسيطرة عليها فيما بعد. وقد تنخدع تلك الشعوب والأقليات ذات الأطماع التوسعيه بهذا المصطلح الرنان وينطلى عليها ، فتبدأ بالمطالبة بما يسمى حقوق الأقليات وحق تقرير المصير والأنفصال (لا أتكلم هنا عن الشعوب المضطهده بالفعل والمعرضة للقتل والإبادة الجماعية كشعب بورما) ، فتقوم تلك الدول الاستعمارية بتحريض هذه المجموعات وتدعمها بالمال والسلاح ، وتمدها بالخبرات والقيادات العميلة والجواسيس ، إلى جانب الدعم الإعلامى وإقامة المؤتمرات الإقليمية والدولية ، وممارسة الضغوط على الأنظمة الحاكمة والتضييق على البلاد وتجميد الأموال وفرض الحظر الإقتصادي والمقاطعة ووقف المساعدات والقروض والتهديد بالتدخل العسكرى وإغلاق المجال الجوي والطيران ، بالأضافة إلى إصدار القرارات القاسية من قبل الأممالمتحدة ومجلس الأمن و المؤسسات الدولية الأخرى ، وغيرها من الوسائل والأساليب المطروحة على الساحة الدولية. وتعمل تلك الدول الاستعمارية على تزكية روح الفرقة والأنفصال داخل المجتمع ، من خلال تأسيس أحزاب الأقلية والتى تتخذ لها مسميات تتضمن الوطنية والقومية ، فتصنع منهم الأبطال والقادة العظام الملهمين الوهميين ، فيلتف حولهم الناس وينخدعوا فيهم . فيرتدون هؤلاء قناعاً مزيفاًً يسحرون به قلوب وعقول الاتباع بكلامهم النمق عن الحريات والحقوق وينمو فيهم عقدة الاضطهاد والشعور بالحسره ، فيعيدوا لهم ذكريات الماضى ويعملون على إحياء عاداتهم ولغاتهم الميتة فى نفسهم من جديد فيصنع منهم أشخاصاً وأفراداً حاقدين وناقمين على الأغلبية المجتمعية ، ويلعب هؤلاء القادة المحركين للجموع على وتر الأمجاد القديمة والبطولات القومية العظيمة والأستشهاد والأعمال المقدسة ، متخذين لأنفسهم شعاراً ونشيداً وطنياً مختلفاً عن باقى فصيل المجتمع ، ومن ثم تزكى فيهم النزعة القبلية والعرقية والدينية فيشعرون بأنهم شعب أخر مختلف يجب أن يأخذ استقلاله وينمى هويته ، مطالبين بالحكم الذاتى والانفصال عن الدولة وحق تقرير المصير . حقوق الأقليات في الحضارة الإسلامية : ومع هذا كله فقد كفل التشريع الإسلامي للأقليات الغير مسلمة داخل المجتمع المسلم كافة الحقوق والإمتيازات ، حيث حظيت تلك الأقليات بما لم تحظ به أقلية أخرى ، ولم يحققه أى قانون فى أى بلد أخر. ولقد حددت الآيات القرآنية الكريمة القواعد الربانية التى ينطلق منها المسلمون فى التعامل مع غير المسلمين - كقوله تعالى :} لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ { .. الممتحنة "9" حيث بينت الآية الكريمة أن أساس التعامل الأخلاقى والقانونى مع من لم يناصب المسلمون العداء ، هو البر والقسط والإحسان لغير المسلمين ، الأمر الذى عانت منه البشرية وقاست من ويلاته من قبل ولم تستطيع تحقيقة إِلا بعد قدوم الإسلام . وانطلاقاً من قوله تعالى.. }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ { .. البقرة " 256" .. ، ومن رسالة النبى (صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل الكتاب من أهل اليمن التي دعاهم فيها إلى الإسلام .. قائلا : " وَإِنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لا يُفْتَنُ عَنْهَا..."(2) . فقد كفل التشريع الإسلامي للأقليات غير المسلمة حرية الإعتقاد ، والتمتع بأقامة شعائرهم مع الحفاظ على أرواحهم باعتبارهم بَشَرًا لهم حقُّ الحياة والوجود، وفي ذلك يقول الرسول صل الله عليه وسلم : " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ"[3]. كما حذر صلى الله عليه وسلم من ظلم غير المسلمين والتعدى عليهم والانتقاص من حقوقهم ، حيث جعل نفسه الشريفة خصمًا للمعتدي عليهم .. فقال صلوات ربى وسلامه عليه : " مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ حَقًّا، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[4]. ليس هذا فحسب بل تكفل الشرع الإسلامي بحماية أموال غير المسلمين ، وتحريم أخذها والاستيلاء عليها بغير وجه حقّ ، كسرقة أوإتلاف وغير ذلك ممَّا يقع تحت باب الظلم. وانطلاقًا من قول الرسول صلى الله عليه : " كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(5) ، ضربت الدولة الإسلامية أروع الأمثلة بتكفلها للأقلية غير المسلمة فى حال العجز والفقر والشيخوخة ، ومن خلال الأنفاق عليهم من خزانة الدولة وبيت مال المسلمين ، معتبره أيهم من ضمن رعاياها كالمسلمين تماماً ، والمسئوله عنهم جميعاً أمام الله عز وجل . فما أعظمها من حضارة وما ارقاه واسماه من تشريع. ومن تلك المقدمة وهذا التوضيح السابق أود أن أتسأل .. !! لما ترفض الكنيسة الشريعة الإسلامية !!! لماذا تقوم الكنيسة القبطة بكل تلك الممارسات وتجاهر بعدم قبولها وتعلن رفضها لتطبيق الشريعة الإسلامية داخل البلدن المسلمة وتقف كحائط عثرة للحيلوله دون تنفيذ ذلك .. فى حين تطالب بالتحكيم إلى شرائعها وتعلن رفضها التدخل القانونى فى شئونها الداخلية و الدينية ؟؟ لماذا تستفز الكنيسة القبطية مشاعر الأغلبية المسلمة فتعتدى على المقدسات الإسلامية وتروج للشبهات و الإفتراءات حول الإسلام العظيم وتلقنها لشعبها داخل الكنائس والعظات .. وتأصل داخل عقول شعبها كذاباً بأن المسلمون ليسوا سكان مصر الأصليين بل تعتبرهم غزاة محتليين أتوا من جزيرة العرب ويجب أن يرحلوا إليها من جديد ، وبأن شعب الكنيسة هم أصحاب الأرض والسكان الأصليين للبلاد ؟؟ لماذا تقوم الكنيسة القبطية بدعم القنوات التنصيرية السبابة لله عز وجل وللرسول الكريم وأمهات المؤمنين الأطهار والصحابة الطيبين الأخيار والمسلمين المسالمين ، والتى يظهر على شاشاتها بعض القساوسة التابعين للكنيسة ؟؟ لماذا ترفض الكنيسة البلاغات المقدمة ضد النصارى و بعض القساوسه المتورطين فى الفيلم المسئ للرسول ، وتأبى مثولهم أمام النيابة كغيرهم من باقى المصريين المدانين والمتهمين .. هل على رأسهم ريشة مثلا .. أم أنهم من المحصنين .. أم أنهم فوق القانون ... ؟؟ وللتذكرة هذا ليس أول فيلم يقوم بإنتاجه أقباط المهجر بدعم من القساوسة بل هو الفيلم الثالث .. فضلا عن المسرحية التى إنتاجتها أحدى كنائس الأسكندرية منذ عدة سنوات وأثارة القلاقل داخل مصر أنذاك !!! لماذا ترفض الكنيسة أن تخضع أموالها لرقابة الدولة والجهاز المركزى للمحاسبات والتفتيش عليها ومراقبتها كقباقى مؤساسات الدولة ومعرفة مصادر تمويلها ودخلها .. أم أن الكنيسة تعتبر نفسها دولة داخل الدولة ليس من حق السلطات القانونية محاسبتها .. أم أن هناك ما تخشى الكنيسة من كشفه وافتضاح أمره؟؟ لماذا تقوم الكنيسة القبطية بالاستيلاء على ألاف الأفدنة المملوكة للدولة من الأراضى الصحراوية والزراعية والآثارية ، و تسمح لنفسها دون اذن أوتصريح وفى غياب الرقيب ببناء الأسوار حولها وتقيم الأديرة الضخمة وتنشأ عليها المصانع والمزارع ، فلا تقدم الضرائب المستحقه على تلك المشاريع ، ولا تغرم ولاحتى تدفع مليماً واحداً فى مقابل الخدمات التى تحصل عليها من الدولة دون وجه حق ؟؟ لماذا تحتجز الكنيسة القبطية المسلمين الجدد وتعذبهم وتهددهم بالقتل والتشريد وترفض ظهورهم على وسائل الإعلام .. ولا ترضى لهم أن يعيشوا حياة آمنة مطمئنة بمعتقدهم الجديد الذى اختاروه بكامل إرداتهم ؟؟ .. أين وفاء قسطنطين ، وكامليا شحاته ، ومريان وتريزا ، وكريستين قلينى ، وغيرهم الكثير من المحتجزين والمحتجزات داخل الأديرة والكنائس التى لا يعرف مصيرهم أحد حتى الأن .. هل أصبحت الكنيسة سلطة قانونية وتنفيذية فوق سلطة القانون .. تحيى وتميت من دون الله .. وتحتجز وتفرج عن البشر كما تشاء ويحلو لها .. أين حق المواطنة ؟؟ .. أين حرية الاعتقاد إذا ؟؟ فضلااااا .. يا ساااااده .. دعونا لا نداهن ونجامل شركاء الوطن على حساب ديننا .. ولنكن صرحاء أكثر مع أنفسنا ونكشف القناع الخفى عن الممارسات الخاطئة التى انتهجتها الكنسية الأرثوزكسية فى العقود الأخيرة الماضية .. فلا ترهبنا مقولة " إثارة الفتنة " فى البلاد ، فأذا أردنا صلاح المجتمع حقاً والتقليل من الإحتقان الطائفى .. علينا أن نعلن عن تلك الممارسات ونكشفها أمام الجميع لنعلم من المخطئ من المحق من المصلح ومن المفسد على كلا الجانبين ، ليخضع المخطئ أياً كان فصيله لسطلة العدل و القانون. وعلى الكنيسة أن تكف عن دعم مثيرى الفتن وتعلن تبرأها منهم ، لتثبت أنها فصيل وطنى يحب هذا الوطن ويعمل على وحدته ويعيش فى كنف أغلبية مسلمة مسالمة تحميها وتقدرها ، فلا تستفز مشاعرهم وتثير حفيظتهم ولتحترم مقدساتهم . فمن غيرالمعقول وغيرالمقبول أن تقوم أقلية لا يتجاوزعددها الخمسة ملايين كما أعلن عنها مأخرا اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، بالتحكم فى مصير الأغلبية التى يقرب عددها من التسعين مليون من المسلمين ، فتبتز وتلوى زراع السلطات التنفيذية والنظام الحاكم مستغله بذلك قدرتها على الحشد التصويتى لأتباعها من الشعب الكنسي ، كما كانت تفعل من قبل مع نظام مبارك السابق ودعمها للتوريث ، فى سبيل الحصول على نفوذ سياسي وتحقيق بعض أطماعها ومطالبها المشروعة وغير المشروعة . كما عليها أن تكف عن ممارسة النشاط المُجرم داخل المجتمع المسلم وهو التنصير ، وأن تقوم بالإفراج الفورى عن المسلمين والمسلمات المحتجزات لديها ، وتخضع كغيرها من مؤساسات الدولة للسلطة الرقابية والتفتيش. على الكنيسة القبطية أن تبرهن لنا عن حسن نواياها بعد تورط قساوستها فى الفيلم المسئ ،.. وتثبت ذلك عملياًً ، فلا تعارض وتقف فى طريق تطبيق الشريعة الإسلامية .. على الكنيسة القبطية فعل الكثير والكثير .. لتصحح أخطاء عقود مضت ارتكبت فيها أخطأ شنيعه فى حق المسلمين . ونحن فى إنتظار بادره طيبة تعلن عنها الكنيسة قريباً .. تدعوا للوحدة والتألف داخل المجتمع المصري. واذا كان للكنيسة القبطية مطلب ما وحق مشروع وغير ممنوع أخلاقياً ولا عرفياً .. فيجب عليها أن تطلبه بالحسنى وتسلك السبل القانونية والطرق المشروعة فى سبيل تحقيقه .. ونحن أول المعاونين لها لكى تحصل عليه .. إذا ما ابتعدت عن سياسة الإبتزاز ولى الزراع ..
هوامش ([1]): Studies on the Rights of persons belonging to Ethnic, Religious &Linguistic Minorities, Studies Series No5, p.96. [2]المعاهد كما قال ابن الأثير: أكثر ما يطلق على أهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/613. [3] البخاري عن عبد الله بن عمرو: أبواب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهدًا بغير جرم (2995)، وأبو داود (2760)، والنسائي (4747). [4] أبو داود: كتاب الخراج، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات (3052)، والبيهقي (18511)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (445). [4] البخاري عن عبد الله بن عمر: كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق (2416)، ومسلم: في الإمارة باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (1829).