استكمالاً للمقال السابق بتاريخ 7|7|2012 والذي ناقشنا فيه تشكيل المحكمة الدستورية العليا المصرية ومدى دستورية آلية التشكيل مقارنة بما هو متعارف عليه في دساتير الدول ومواد الدستور المصري والإعلان الدستوري نفسه وانتهينا في ذلك إلى ثلاث نقاط : 1 تعارض الآلية مع المادة 3 من الإعلان الدستوري وهي الخاصة بأن الشعب هو مصدر السلطات وذلك لانفراد رئيس الجمهورية بتعيين أعضاء المحكمة . 2 تعارض الآليه مع عقيدة الفصل بين السلطات وإستقلال القضاء ذلك لوجود مبدأ تعيين رئيس المحكمة العليا ونوابه والمستشارين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مع ما يخالف عقيدة الفصل بين السلطات في أن ( مزايا أي دستور حر يعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية أن تعين أعضاء السلطة التشريعية والقضائية ) ففي معظم الحالات يتم ضمان استقلالية القضاء من خلال إبقاء القضاة لمدد طويلة وأحياناً مدى الحياة في مناصبهم وجعل إزاحتهم من مناصبهم أمراً صعباً . 3 الجمع بين متناقضين وهما تعيين رئيس المحكمة العليا ونوابه والمستشارين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد وذلك فى نص المادة ، وفى نفس السياق أعضاء المحكمة الدستورية العليا غير قابلين للعزل وهو تناقض واضح . ويزيد على ذلك أن هذه الهيئة بحكم آلية تعيين الأعضاء بشكل مباشر ومنفرد لرئيس الجمهورية ( رأس السلطة التنفيذية ) تصبح جزءً لا يتجزأ من السلطة التنفيذية ولا تختلف فى آلية التشكيل عن مجلس الوزراء ، وحيث أن هذه السلطة التنفيذية قد سقطت بالثورة بناءً على إعلان 13 فبراير فالمفروض أن تسقط معها كل السلطات التابعة لها بما فيها المحكمة الدستورية العليا ! والآن وبعد أن شرحنا ماهية المحكمة الدستورية وآلية تكوينها ووضحنا مدى شرعيتها من واقع الدستور نفسه ومقارنة بأنظمة الدول الأخرى والمتفق عليه فى عقيدة إستقلال القضاء والفصل بين السلطات ، ورجوعاً إلى ما تقدمت به في مقالي السابق سنحاول أن نتعرف على أعضاء المحكمة الحاليين من خلال أعمالهم وأقوالهم حتى يتسنى لنا فهم ما صدر منهم وما سيصدر منهم . وسأستند لحكمي المحكمة الدستورية ، وهما عدم دستورية إنتخابات مجلس الشعب وعدم دستورية قانون مباشرة الحقوق السياسية أو ما يسمى العزل السياسي . وسأضيف مادة 26 من الأعلان الدستورى مارس 2011 والتى تنص على : مادة 26 : يشترط فيمن يُنتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصرياً من أبوين مصريين ، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية ، وألا يكون قد حمل أو أياً من والديه جنسية دولة أخرى ، وألا يكون متزوجاً من غير مصري ، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية . واختياري لهذه المادة أنها والحكمين يجتمعان في شئ واحد وهو أنهم يحرموا مواطن مصرى من حق الترشح للبرلمان أو رئاسة الجمهورية ولكن كل منها لأسباب مختلفة. وقبل أن أبدأ أذكر نفسي وأذكركم بمقدمة مقالي السابق بما يخص الخطوط الحمراء والعصمة والحصانة ، وأحب أن أوضح أن ما أدين به فى هذا الأمر هو كلام الإمام مالك رحمه الله : " كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر ( الرسول صلى الله علية وسلم) " ابتدأً وبأختصار الأحكام الثلاثة تحرم مواطن مصري من الترشح إذا كان : 1) قد تقلد منصب قيادي في نظام فاسد ثار عليه الشعب لإسقاطه (العزل) . 2) عضو فى حزب سياسي إذا ترشح فردي خارج قوائم حزبه . 3) حصول أحد والديه على جنسية دولة أجنبية . وقد إعتبر قضاة المحكمة الحكم الأول غير دستوري ومررت الثانى والثالث. * وقد تضمنت حيثيات الحكم الأول (العزل) رفض مبدأ الإقصاء او الحرمان كونه إنشاء قرينة قانونية فُرض عليها جزاء بغير حكم قضائى بعد محاكمه يكفُل بها حق الدفاع استناداً على نص الفقرة الثانية من المادة 19 من الإعلان الدستوري المشار إليه "على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بالقانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى" ولم يطبق هذا المبدأ على الحالتين الثاني والثالث حيث تم الإقصاء بغير حكم قضائي بعد محاكمة ، وبذلك تكون المحكمه قد فرضت قاعدة انه لا إقصاء أو عزل إلا بغير حكم قضائي بعد محاكمه يكفُل بها حق الدفاع وبهذه القاعدة يسقط الثاني والثالث . ويحضرنى فى هذا المقام قول الله عز وجل فى سورة النساء "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿82﴾" *ولاشك أن حيثيات الحكم بهذا الشكل توحي بأنها محاولة لتركيب حيثيات على حكم مسبق وبطريقة غير حرفية ، وهو مايشبه لحد كبير ما يفعله الساقطون من المحامين فى قضايا المخدرات حيث تُستخدم ثغرات القانون والإجراءات ليفلت به مجرم من العقاب . *ويزيد على ذلك تجاهل هيئة المحكمة لثورة الشعب الذى تصدر أحكامها بإسمه وتنحاز لفلول النظام الفاسد . *وفى توضيح أكثر لحكم هيئة المحكمة فى دستورية إنتخابات مجلس الشعب وهنا نتذكر قول الله عز وجل فى سورة آل عمران "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿7﴾" فلا شك أن القرآن دستور وميثاق الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين المسلمين ، ولقد قال ابن عثيمين رحمه الله فى هذه الأيات "قَسم الله تبارك وتعالى القرآن الكريم إلى قسمين محكم ومتشابه والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه ، وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها اويحتمل اكثر من وجه ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل فتفصلها السنة مثل قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاة َ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط لكن كيف الإقامة هذا يعرف من دليل آخر ، والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه فيبقى في حيرةٍ من أمره ، وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه." انتهى كلامه ولاشك أن الدساتير الوضعية فيها نفس التقسيم الى محكم ومتشابه طبعاً مع الفارق الكبير ان هذا القرآن هو دستور الله الذى تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بآية من مثله و قد وضح الله لنا الحكمة من هذا التقسيم وهى الإبتلاء والإختبار. والشاهد هنا هو أن كل دساتير الدول التى تسمى ديمقراطية اتفقت على أن رئيس الجمهورية والمجالس النيابية تأتى بالإنتخاب وهذا مايمكن أن نسميه المحكم ، وأما ألية الإنتخاب قد تكون بطريقة من عشرات الطرق بين فردي وقوائم ، اومباشر وغير مباشر او الجمع بينهم بكل الإحتمالات والتوافيق والدباديل والنسب وهذا هو المتشابه. ونحن على يقين أن الناس لايمكن أن يتفقوا على أن هناك طريقة هى الأفضل بين هذه الطرق ولكن أتفق الحكماء على أن يتوافقوا على أحدى هذه الطرق ليحسموا الأمر ولا يشعلوا الفتنه. ولذك لم يجتمع دستورين على آليه واحدة ولايمكن ان يقول عاقل ان أحدهم ليس فيها عيوب او أن إحداهم خطأ بالكلية او صحيح بالكلية ، ولكن فى الحالة المصرية أبى البعض إلا أن يشعلوا نار الفتنة ، فبعد أن توافق الناس على آليه لإنتخابات مجلس الشعب نعلم جميعا أنها ليست الأفضل وأن فيها عيوب فبعد ان تمت الإنتخابات على وجه ارتاح له الجميع خرج علينا بعض الأشخاص ليطعنوا في آلية الإنتخابات أن فيها عيوب ، وليتهم جاءوا بشئ جديد والغريب أن قضاة هذه الهيئة المسماه المحكمة الدستورية والمفترض انهم حكماء قد عكفوا واقاموا البحث وجلسات المداوله ليخرجوا بما سموه حكم ، وهو فى الحقيقة ليس إلا رأى او وجهة نظرعادية وليس فيها جديد وهو ان آلية الإنتخابات فيها عوار !! سبحان الله , إن كان قد صدرهذا من مجموعه من المواطنين العادين لإحترمناه ولكنه ليس ملزم فهو مجرد إحدى وجهات النظر وبذلك يكونوا هم من قال الله عنهم " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ " فأدخلوا البلاد فى فراغ تشريعي غير مبرر ، وفرضوا على الشعب ومجلسه جزاء بغير حكم قضائى بعد محاكمة يكفل بها حق الدفاع وتخطوا مسؤلياتهم الدستورية الأساسية وهو حماية الدستور الى مايمكن ان يسميه ضرب مواد الدستور بعضها ببعض والتدخل فى اختصاصات هيئات أخرى كفلها لهم الدستور . مادة 40 تختص محكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلسي الشعب والشورى. وتقدم الطعون إلى المحكمة خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب ، وتفصل المحكمة في الطعن خلال تسعين يوماً من تاريخ وروده إليها . وتعتبر العضوية باطلة من تاريخ إبلاغ المجلسين بقرار المحكمة مادة 44 لا يجوز إسقاط عضوية أحد أعضاء مجلسي الشعب والشورى إلا إذا فقد الثقة والاعتبار أو فقد أحد شروط العضوية أو صفة العامل أو الفلاح التي انتخب علي أساسها أو أخل بواجبات عضويته ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية من المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه . أى أن محكمة النقض هى الجهة الوحيدة المخوله بالفصل في صحة العضوية وذلك فقط فى خلال مدة الطعون ثم تنتقل هذه الصلاحية للمجلس نفسه وذلك لتحقيق عقيدة الإستقلال والفصل بين السلطات وهى نفس القاعدة المطبقه على المحكمة الدستورية. هل هذا يكفى ام نزيد .