شعب تعود على الثورة ووطن تشبع بالإثارة؛ هذا ما جعلنا نقول إن مصر بلد تحكمها الضجة الإعلامية، فمنذ بداية الثورة حتى الآن مررنا بالكثير من الأحداث التى لم يكن لها أهمية تاريخية ولكن بالإعلام أصبحت تقلب الدنيا وتكسّر العالم. وهناك من وعى إلى ذلك واستغله كالمجلس العسكرى الذى دعا إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليطمئن الكثيرين على أن مصر تسير إلى الديمقراطية وفى نفس الوقت يرتب أوراقه، بينما انشغل السياسيون بإقناع الناس بوجهة نظرهم حول الدستور وفى النهاية خدعهم العسكرى وأخرج الإعلان الدستورى بأكثر من ستين مادة معظمها لم يستفت عليها الشعب وتخدم طول فترته الانتقالية. مرت علينا مئات التظاهرات وعشرات المليونيات التى إذا نظرنا إلى أسبابها ونتائجها وجدنا أن معظمها لأسباب غير قوية ومنعدمة النتائج لكن التفخيم الإعلامى لها هو ما جعل الحدث يظهر وكأنه الثورة الثانية. نعلم منذ العهد البائد بوجود التعذيب الوحشى للرجال والنساء فى المعتقلات السياسية والقمع بوسائل شتى ومع ذلك لم نكن لنتحرك ولكن تداول فيديو على الإنترنت لفتاة تسحل جعل الاحتجاجات تتصاعد وفتيل الثورة يشتعل من جديد. عندما قررت بعض الحركات استمرار الاعتصام حتى نقل السلطة كان السبيل الوحيد للمجلس العسكرى للخروج من أزمته هذه هو استخدام الحيلة المعتادة وهى إجراء انتخابات مجلس الشعب فى موعدها رغم أن ذلك لا يصب فى مصلحته كراغب فى إطالة الفترة الانتقالية ولكنه يعلم أن ذلك هو الحل لجعل الأنظار تلتفت إلى الانتخابات وتترك معتصمى التحرير مما جعل المعتصمين يفضون اعتصامهم. كل هذا يجعلنا نتعلم أن أهمية الحدث ليست فى ظهوره بالشكل الضخم ولكنها تكمن فى قدرته على تغيير المصير وإذا أردنا معرفة صاحب الحق والمخلص من الأحزاب والحركات ومن النخبة علينا أن نرجع بشريط الأحداث ونحدد رأى كل منهم فى كل حدث وعن ما إذا كان يتماشى مع موجة الرأى العام أم أن ذلك نابع من عمق تفكيره ورؤيته التحليلية ومن هنا نستطيع تحديد الأصلح الذى نختاره على المدى البعيد. ومن واقع فهمى لهذه المحاور أتوجه بالنصيحة لرئيس مصر القادم: "عيّن نائبا مهمته افتعال الضجات الإعلامية بعيداً عنك لينشغل الناس بها وتعمل أنت فى هدوء".