في جلسة حامية عقدت بالكونجرس الأمريكي مؤخراً دار نقاش عنيف حول المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر فدافع البعض عن بقائها كما هي دون أي تعديل أو قيود رافضين تحويلها إلي مساعدات اقتصادية وكان علي رأسهم هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ذو الخبرة الكبيرة بالمنطقة العربية وربما يكون أكثر الحضور دراية بأحوال مصر واحتياجاتها والأهم بدورها ومكانتها في المنطقة. أشار كيسنجر في إطار دفاعه عن المساعدات العسكرية إلي أن مصر لعبت دوراً بناءً في الشرق الأوسط مشيراً بشكل خاص إلي جهود الرئيس حسني مبارك في التوصل إلي اتفاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة شرم الشيخ وهو ما يستوجب في رأيه الاستمرار في مكافأة مصر بهذه المساعدات العسكرية التي أقرت لمصر وإسرائيل معاً بعد إبرامهما معاهدة كامب ديفيد. لكن السبب الحقيقي لدفاع كيسنجر عن هذه المساعدات من واقع خبرته ودرايته بالمنطقة أورده السياسي المخضرم في أثناء عرضه لوجهة نظره وسعيه لاقناع الحضور بها عندما قال إن تحويل المعونة العسكرية إلي معونة اقتصادية سيدفع مصر إلي شراء السلاح من أوروبا وليس من الولاياتالمتحدة. فمساعدات السلاح التي تحصل عليها مصر الآن تحصل إسرائيل علي أضعافها من سلاح مباشر وطائرات ومعدات وتجهيزات وتدريبات تضمن تفوقها الدائم علينا. وهذه المناقشة التي دارت في أروقة الكونجرس ولم نكن بالطبع طرفاً فيها تستحق دراسة متعمقة من جانب متخصصين مصريين يحددون من واقع احتياجاتنا وأولوياتنا أيهما أجدي المعونات العسكرية أم الاقتصادية والتي هي في نهاية الأمر ليست استجداء كما يحب أن يراها البعض بل حق حتي الآن علي أقل لأننا دفعنا ثمنها بالفعل وهو توقيع كامب ديفيد وإذا توقفنا عن أخذها لن تتوقف إسرائيل عن أخذ معونات مماثلة بل وأكثر بكثير منها. وفي الجلسة نفسها بالكونجرس قال توم لانتوس أبرز نائب ديموقراطي في لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب والمعروف بموالاته لإسرائيل انه يعتزم معارضة طلب البيت الأبيض تخصيص مبلغ 350 مليون دولار للسلطة الفلسطينية منبهاً إلي "عدم الاغراق في فرحة ساذجة" عقب التطورات الأخيرة في شرم الشيخ مشيراً إلي أن أهداف إسرائيل المتمثلة في تفكيك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وغيرها من الجماعات التي وصفها بأنها "إرهابية" لم تتحقق. ونري هنا تضارباً فجاً في الآراء حول القمة التي استشهد بها كيسنجر دفاعاً عن المعونات العسكرية لمصر واستشهد بها لانتوس معارض المعونات للفلسطينيين، فنتائج القمة تكون إيجابية إذا أراد النائب الأمريكي تبرير شيء وتكون سلبية إذا أراد الاعتراض علي شيء آخر، مما يجعلنا نتأكد من أن السبب الحقيقي للتمسك بالمساعدات العسكرية لمصر ليس هذا بل هو ألا تلجأ مصر إلي مصدر آخر للسلاح خارج سيطرة الأمريكيين علي كمه ونوعه. صحيح أن القرار ليس في أيدينا فهو قرار المانح لكن ليس معني ذلك أن نقف مكتوفي الأيدي انتظاراً للقرار الذي يهبط علينا، فنحن نستطيع علي الأقل أن نحدد ما نريده، فهل من الأجدي لنا أن نحصل علي مساعدات عسكرية من الولاياتالمتحدة أم أن نوجه هذه المبالغ التي كسبناها من توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل إلي الاقتصاد ونسعي لتنويع مصادر تسليحنا لتقليل مخاطر التحكم والسيطرة والهيمنة؟ وبعد أن نجيب علي هذا السؤال نحاول أن نصل إلي ما يحقق مصالحنا الاستراتيجية من خلال قنوات الضغط الشرعية وإن لم ننجح نكون علي الأقل قد كسبنا شرف المحاولة.