عديد من القضايا يثيرها إلغاء قرار رئيس الوزراء رقم 506 الخاص بتنظيم التصرف في حصيلة موارد النقد الأجنبي، ويأتي علي رأسها ظاهرة لها تاريخ طويل في الحياة التشريعية المصرية والمعروفة باسم "سلق القوانين"! أحزان مجتمع الأعمال وأهل التشريع تجددت مع قرار محكمة القضاء الإداري بإلغاء ذلك القرار لسبب قانوني لا يغيب عن طالب في كلية الحقوق، وهو تعارضه مع مبدأ حرية التصرف في النقد الأجنبي الذي نص عليه قانون البنك المركزي الصادر بالمناسبة في نفس عام صدور القرار أي أن دمه كان ساخناً وقت إصدار القرار. وعلي هذه الخلفية نحاول في هذه السطور مناقشة قضية انتحار القرار والقوانين علي مذبح العدالة وبلاط القضاء لعوارها أو لعدم دستوريتها بين الحكومة كترزي قوانين تسييء.. ومجلس الشعب كمطبخ أسوأ للقوانين، وبالطبع لا نقصد حكومة بعينها أو دورة لمجلس الشعب بالتحديد ولكن نتناول قضية مهمة وظاهرة خطيرة يجب العمل علي وقفها تماماً لآثارها الخطيرة علي حاضر ومستقبل البلد. في البداية يرصد لنا الدكتور عصام حنفي أستاذ القانون التجاري بجامعة الأزهر قائمة طويلة من القوانين التي حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها باعتبارها الجهة المنوط بها رقابة دستورية القوانين والقرارات سواء من خلال الدفع بعدم الدستورية أو تصدي المحكمة الدستورية من تلقاء نفسها إلي أحكام القانون أو إحدي المواد القانونية التي تري عدم دستوريتها، ويشير إلي أن هذه القائمة تشمل هذه الأحكام: * عام 1983 حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت، الحكم في الطعن رقم 13 في الثاني من ديسمبر عام 1992 بعدم دستورية نص المادة 121 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963 وذلك فيما تضمنته بفقرتها الثانية من افتراض العلم بالتهرب إذا لم يقدم من وُجدت في حيازته البضائع بقصد الاتجار بالمستندات الدالة علي أنها قد سُددت عنها الضرائب الجمركية المقررة، لأن العلم بالتهرب من الأمور القانونية التي يجب اثباتها وإقامة الدليل عليها من قبل المدعي. * الحكم في الطعن رقم 43 في جلسة 6/12/1993 بعدم دستورية القانون رقم 229 لسنة 1989 بفرض ضريبة علي مرتبات العاملين المصريين بالخارج. وقد استندت المحكمة إلي أن النظام الضريبي المصري ساري علي مبدأ إقليمية الضريبة أي تحقق الواقعة المنشأة للضريبة داخل إقليم مصر. * الحكم في الطعن رقم 18 في جلسة 3/12/1996 بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الضريبة علي الاستهلاك "وهي الضريبة التي حلت محلها ضريبة المبيعات" الصادر بالقانون رقم 23 لسنة 1981 فيما قررته من تخويل رئيس الجمهورية بتعديل جدول الضريبة المرفق بهذا القانون، واستندت المحكمة لأن هذا التعديل وفقاً للدستور يجب أن يكون بقانون صادر من السلطة التشريعية لأنه "لا ضريبة إلا بنص قانوني". * الحكم في الطعن رقم 24 في جلسة 7/3/1998 بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 9 من القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 بتعيين حد أقصي لملكية الأسرة والفرد من الأراضي الزراعية وما في حكمها، واستندت المحكمة لعدم جواز وضع قيود علي حرية الفرد في التملك. * الحكم في الطعن رقم 2 في جلسة 6/5/2000 بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 65 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة ،1978 فيما تضمنه من حرمان العامل من البدل النقدي لرصيد إجازاته الاعتيادية فيما جاوز ال 4 أشهر متي كان الحصول علي هذا الرصيد راجعاً لأسباب اقتضتها مصلحة العامل. * الحكم في الطعن رقم 227 في جلسة 2/12/2000 بعدم دستورية قرار نائب رئيس مجلس الوزراء للإنتاج ووزير البترول رقم 42 لسنة 1991 فيما تضمنته من محاسبة شركات الاستثمار التي تباشر نشاطاً صناعياً عن محسوباتها من المنتجات البترولية بالأسعار العالمية دون المحلية واستندت المحكمة لأن ذلك القرار يعتبر إخلالاً بمبدأ المساواة المنصوص عليها في الدستور المصري كما يعوق حركة الاستثمار. * الحكم في 13/1/2002 بعدم دستورية نصوص قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة ،1992 ولائحته التنفيذية التي كانت تجعل التحكيم إجبارياً لتسوية المنازعات فيما بين المتعاملين في مجال الأوراق المالية وذلك خلافاً لطبيعة التحكيم الأصلية باعتباره وسيلة اختيارية لتسوية المنازعات بالإرادة الحرة لأطراف النزاع، واستندت المحكمة لأن هذه النصوص أخلت بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور. ويكتفي الدكتور عصام حنفي بعد ذلك السرد بالتأكيد علي أن صدور مثل هذه القرارات بعدم الدستورية له أثر سيئ للغاية علي مسيرة الإصلاح الاقتصادي.