منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في نوفمبر 1979 وحتي اليوم.. مرت العلاقات المصرية الاسرائيلية بمراحل عديدة.. اتسمت بعضها بالتحسن النسبي.. وبالتجمد والسوء في أحيان أخري. وعلي مدي الخمسة والعشرين عاما الماضية.. حاولت مصر ان تفوت علي اسرائيل كل الفرص للوصول بهذه العلاقات الي نقطة الصفر.. بالرغم من القيود التي تحملها المعاهدة والتي جاءت علي حساب مصر.. وبالرغم من التهديدات التي وردت علي لسان مسئولين اسرائيليين حملت لهجة العداء والكراهية ضد مصر.. وقابلت مصر كل هذه الاستفزازات بالهدوء والامتصاص. ومشكلة اسرائيل ومعها الادارة الامريكية المتعاقبة أنها تنتظر من مصر القيام بدور اكبر في تنشيط عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.. وتريد اسرائيل ان يكون هذا الدور لصالحها.. أي تقوم مصر بالضغط علي الفلسطينيين لاجبارهم علي تقديم تنازلات اكبر لصالح اسرائيل. ومصر لا يمكن لها القيام بهذا الدور لصالح اسرائيل.. وكل ما تستطيع ان تفعله هو أن تساهم في تقديم الحلول للمشكلات القائمة وفي إزالة العقبات التي تقف حجر عثرة أمام المفاوضات، وأن تقدم الرأي والمشورة الي الجانب الفلسطيني.. لكنها أي مصر لا تستطيع ان تذهب إلي أبعد من ذلك. لكن هذا الدور.. لم يعجب اسرائيل وبالتالي لم يعجب ايضا الولاياتالمتحدةالامريكية.. بالرغم من المرونة العالية التي تبديها الدبلوماسية المصرية والتي يساء تفسيرها وتقديرها أحيانا.. ولذلك ساءت العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في مراحل متعددة.. وحاولت اسرائيل أن تحمل مصر المسئولية عن هذا التجمد أو الجمود في العلاقات ووصل الجمود الي قيام مصر بسحب سفيرها من اسرائيل.. وربطت عودته بالتحسن الذي ستشهده عملية السلام وتخلي اسرائيل عن سياساتها الاستيطانية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني والقيادات الفلسطينية. الي ان جاء المرض المفاجئ للرئيس عرفات وسفره الي باريس للعلاج ثم اعلان نبأ وفاته.. لينهي مرحلة من النضال الفلسطيني ومن التوقف والجمود في عملية السلام مع اسرائيل.. ولتبدأ مرحلة جديدة يجري رسم ملامحها الآن.. في واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الأوروبية.. ولا تريد القاهرة والدبلوماسية المصرية ان تتخلي عن الركب. ولذلك لا يمكن فهم صدور قرار الافراج عن الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام الا علي ضوء ذلك.. أي علي ضوء رغبة القاهرة في القيام بدور في هذا التحرك الجاري الان.. والذي لم تتحدد بعد شكله أو ملامحه والذي تقوده الولاياتالمتحدةالامريكية في ظل ادارة الرئيس جورج بوش الثانية. ويتوقع كثيرون تحسنا في العلاقات المصرية الاسرائيلية في المرحلة المقبلة.. وقد لاحت بوادر ذلك في الافق بالرغم من انعدام الثقة تقريبا في تعامل القاهرة مع اسرائيل ومع رئيس وزرائها ارييل شارون الذي لا يلتزم بكلمة ولا يفي بوعد أو عهد.. فما يقوله اليوم يتراجع عنه في اليوم التالي. هذا الواقع الجديد علي الأرض.. يبدو أن معادلات قوي في المنطقة غير قادرة علي تغييره.. والجميع يحاول الآن التعامل معه بما فيها سوريا.. ويبدو أيضا أن الضغوط الامريكية والدولية تحاول البحث الآن عن مخرج لتنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط.. لادراك الجميع أن حل القضية الفلسطينية التي هي لب الصراع في المنطقة هو الذي يسهم في القضاء علي الكثير من المشكلات والصراعات التي تشهدها المنطقة والتي هي مرشحة للتزايد اذا لم تبذل الجهود لحلها. ومصر في كل هذا ليست بعيدة عن الملعب ولا تستطيع تحمل ترف الابتعاد.. حتي ولو تقلص دورها.. حتي ولو اضطرت الي تجديد الثقة في رئيس الوزراء الاسرائيلي او منحه فرصة جديدة.. مع أن كل تاريخه في التعامل مع الفلسطينيين أو في التعامل مع مصر يقول بأنه لا يتراجع عن أفكاره وخططه وأنه ماض في طريقه وفي مشروعه الاستيطاني غير عابئ بآراء ومواقف ومشروعات الآخرين.. بل انه ينتظر من الآخرين أن يغيروا من مواقفهم. هل تنجح هذه الجهود؟ هل تفشل؟ ما مصير عملية السلام في المرحلة القادمة ومصير العلاقات المصرية الاسرائيلية معها.. كل هذه تساؤلات مفتوحة ولا يملك أحد الاجابة عليها.. ربما الحقيقة الواضحة فيها هي أن الجميع يريد النزول الي الملعب ولا يرغب في الجلوس علي مقاعد المتفرجين أو الوقوف خلف الخشبة.. ربما خشية من الاتهام بأنه يعرقل مسيرة السلام في المنطقة ويقف ضد الارادة والتوجهات الامريكية فيها.. وبالتالي سيكون متحملا لنتائج وتداعيات ذلك. ومصر اذا كانت لا تريد الابتعاد.. فهي لا تريد ايضا في تقديري الاقتراب لأن الكثير من القيود والعراقيل توضع في طريق حركتها.. أي أن مصر تتحسس طريقها ولا تريد التوريط.. وهذا الموقف يجعلها تدفع ثمنا ايضا.. فالمبالغة في عدم اظهار رد الفعل أو زيادة الحسابات أكثر من اللازم يساعد علي تكبيل القرار المصري فوق القيود المفروضة عليه.. وهذا أكثر ما يؤخذ علي القرار المصري في الوقت الحاضر.