بينما تجري الاستعدادات لبدء تشغيل محطة الحاويات العملاقة في ميناء شرق التفريعة، فان مشروع المنطقة الصناعية المجاورة للميناء "بشرق بورسعيد" الذي كان مفترضا ان يكون الأخ التوأم لمشروع الميناء لايزال يتخبط في مراحله الاولي بالرغم من تأسيس شركة ضخمة لتنفيذ المشروع باسم شركة تنمية المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد الجديدة، منذ نحو ست سنوات، وبالرغم من الحملة الاعلامية الصاخبة وقتها حول تزويد 25 مليون متر مربع بالمرافق واقامة مطار دولي واقامة مصانع ومخازن ترانزيت للايجار، وتوفير نحو نصف مليون فرصة عمل جديدة.. إلخ إلخ. فلماذا نشط مشروع الميناء وخابت المنطقة الصناعية؟ لقد سافر مسئولون كبار الي الامارات لدراسة تجربة المنطقة الصناعية في "جبل علي" وإلي الصين لدراسة تجربة "شينزين".. ورغم ثراء الخبرة الناجحة لهذين المشروعين فمن الواضح اننا لم نستفد شيئا من تجربتهما، لهزال خبرتنا - نحن - في هذا الصدد لقد كان ينبغي - في رأينا - أن يبدأ المشروع بدراسات يعدها استشاريون اجانب، وان ينفذه مقاولون اجانب لديهم خبرة عميقة في مثل هذا النوع من المشروعات. بينما كان ما حدث فعلا هو اجراء دراسات محلية هزيلة، تبعها ترشيح شركة المقاولون العرب لتنفيذ البنية الاساسية. ومثل هذه المشروعات تسمي في عالم الاعمال والدوائر الحكومية المتصلة بها "مشروعات ناشفة - DRY" ليس فيها مجال للعمولات ولا السفريات الي الخارج ولا وكلاء ولا موردين اجانب.. إلخ!! الامر الذي يؤدي لاضعاف حماس الموظفين من كبار صغار المسئولين - أو صغار كبار المسئولين.. لا فرق - لمتابعتها وإنجازها. والحقيقة ان النفس تحزن عندما تري ان دولا متخلفة اخري شيدت موانيها المحورية ومناطقها الصناعية بلا ضجة وضجيج وشاركت الشركات الاجنبية في رأس المال وشاركت الحكومة وشارك الشعب في اكتتاب عام ونجحت حيث فشلنا، وكان الفشل نتاج الجهل والانانية. واستمر التخبط فاتجهت الحكومة الي استبدال المنطقة الصناعية شرق التفريعة علي البحر المتوسط شمال قناة السويس والقريبة من اسواق اوروبا وامريكا استبدلتها بمحاولة اقامة منطقة صناعية جنوبالسويس علي البحر الاحمر.. وزعت الاراضي "بسخاء" علي القناصين بما يزيد علي احتياجات مشروعاتهم وانفقت 750 مليون جنيه لبناء ميناء السخنة - بدعوي انه ميناء محوري وبحجة التصدير.. ودارت عجلة الدعاية اكبر منطقة صناعية في الشرق الاوسط.. تهافت المستثمرون الاجانب - وبالذات الصين - لحجز الاراضي.. الانتاج للتصدير.. يوم واحد لاصدار التراخيص.. المنطقة جاهزة لاستقبال الاستثمارات العالمية خلال عام 2005 "واسمعوا جيدا": خمسمائة مليون جنيه لتمويل المرحلة الاولي!.. إلخ إلخ.. نفس سيناريو مشروع المنطقة الصناعية بشرق التفريعة. ويمكن اختصار هذه الضجة الكبري بالاشارة الي المناطق الصناعية التي سبقتنا اليها الدول العربية التي تعتمد مشروعاتها علي البترول والغاز الطبيعي وقامت صناعات الحديد والصلب والبتروكيماويات والاسمدة وتسييل الغاز الطبيعي وبنيت الارصفة لتفريغ وشحن البضائع الصب الجافة والصب السائلة والعامة والحاويات والغاز المسال.. المنطقة الصناعية والميناء "بمسعيد" في دولة قطر بدأت في منتصف السبعينيات، المنطقة الصناعية والميناء في ينبع علي البحر الاحمر، المنطقة الصناعية والميناء في الجبيل علي الخليج.. قارن ذلك بالملايين التي اهدرت في ميناء السخنة ليستفيد منها الاجانب وحفنة من المصريين! والسؤال المحوري: نبني المصانع جنوب قناة السويس ولكن لمن سنصدر؟ الاجابة المنطقية.. الي آسيا وافريقيا وليس الي الدول العربية الغنية التي سبقتنا بسنوات طويلة لاقامة نفس المصانع ولن تنتج هذه المصانع لنصدر الي اسواقنا الرئيسية، امريكا واوروبا.. ويتناسي المخططون او يجهلون ان تكلفة النقل تلعب دورا حاسما، ويتناسي المخططون ان قناة السويس لن تمر بها السفن التي تحمل منتجاتنا بالمجان ويتناسي المخططون ان نجاح المشروعات لا يتم بقرارات سيادية وضجة اعلانية.. إذن المنطقة الصناعية بشرق التفريعة هي الامل لجذب المستثمرين الجادين وليست لجذب تجار الاراضي المصريين! ولكن بشرط ان تحسن حكومتنا التخطيط والتنفيذ. نفيق من الحلم الجميل لنكتب عن الواقع الذي يثير الشجون علي حال المنطقة الصناعية فهي تضم اطلالا لمشروعات صناعية محدودة لا تتعدي اصابع اليد الواحدة بدأ العمل فيها منذ سنوات وتوقف لاسباب عديدة والحديث عنه لم يتخط مرحلة الآمال والاحلام المرجوة لهذه المنطقة.. فهل نتدارك اخطاءنا.. ام تستمر محنة المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد؟