تمر منطقة اليورو حاليا بأطول دورة ركود شهدتها في حياتها وهو ركود مزمن زاد في طوله وقسوته عن النكبة التي حلت بدول هذه المنطقة في بدايات الأزمة العالمية عامي 2008-،2009 وقد أعلن مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي يوم 15 مايو أن 9 من البلدان السبعة عشر المكونة لمنطقة اليورو تعاني هذا الركود الذي وقعت فيه فرنسا بدورها أخيرا، وعلي الإجمال انكمش اقتصاد منطقة اليورو في عمومها للفصل السادس علي التوالي وكان معدل انكماشه 0،2% خلال الفصل الأول من العام الراهن عما كان عليه في الفصل الأخير من العام الماضي. وتقول مجلة ?تايم? علي موقعها الإليكتروني إن انكماش الفصل الأول من 2013 كان أقل قسوة وعمقا من معدل الانكماش في الفصل السابق عليه مباشرة والذي بلغ 0،6% ولكن الأمر في كل الأحوال يظل مزعجا بالنسبة لدول تعاني أزمة في الدين العام وتحاول علاجها بخفض الانفاق وزيادة الضرائب. وتنبه ماري ديرون المستشارة الاقتصادية في ايرنست آند يونج أن دول اليورو تلقت بذلك ضربة مزدوجة سواء من إعادة الهيكلة الإجبارية لاقتصادها الداخلي أو محدودية النمو في التجارة العالمية وهي محدودية ناجمة عن انخفاض الطلب من جانب الأسواق الناشئة. صحيح أن الركود الراهن أقل عمقا من الركود الذي ضرب دول اليورو عام 2008 واستمر خمسة فصول ولكنه الآن صار الأطول في تاريخ منطقة اليورو البالغ عمرها 14 سنة، والمصيبة أن الاتحاد الأوروبي يتوقع تواصل الركود طوال العام الراهن، وغني عن البيان أن إجراءات التقشف سبب آلاما اقتصادية قاسية وأدت إلي شيوع الاضطراب الاجتماعي في منطقة اليورو حيث يصل معدل البطالة إلي 12،1% وهو معدل يزيد في بعض الدول مثل اسبانيا (26،7%) واليونان (27،2%). وقد حملت تقارير يوم 15 مايو أيضا أنباء سيئة عن الاتحاد الأوروبي في مجمله (27 دولة) وهو يضم كما نعرف دولا ليست منضمة إلي منطقة اليورو مثل بريطانيا وبولندا فقد حدث انكماش بلغ 0،1% في إجمالي الناتج المحلي للاتحاد خلال الفصل الأول من العام الحالي سبقه انكماش آخر بنسبة نصف في المائة في الفصل الأخير من العام الماضي وهكذا ساد الركود الاتحاد الأوروبي في مجمله، ولأن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 500 مليون نسمة يعد أكبر سوق لصادرات الدول الأخري فإن استمرار انكماش هذه السوق سيؤذي شركات الولاياتالمتحدة وآسيا، ويذكر أن شركة فورد الأمريكية للسيارات قد خسرت في أبريل الماضي 462 مليون دولار في أوروبا وأعلنت أن المستقبل هناك غير متيقن، كذلك خسرت شركة مكدونالدز من مبيعاتها في أوروبا 1،1% خلال الربع الأول من 2013 علما بأن سوق أوروبا هي أكبر أسواق تلك الشركة حتي الآن خارج أمريكا. ورغم أن الاقتصادات الكبري الأخري في العالم تسير مضطربة هذا العام فإن الركود لم يصب أي منها، فالانكماش في دول اليورو حسب أرقام الربع الحالي يبلغ 0،9% علي أساس سنوي ويقابله توسع في أمريكا خلال ذات الفترة نسبته السنوي 2،5% وفي نفس الوقت فإن الاقتصاد الصيني وهو الاقتصاد رقم 2 في العالم من حيث الحجم بعد الاقتصاد الأمريكي ينمو بنحو 8% سنويا. وهذا التناقض أو التعارض يعكس في نظر كثير من المراقبين خلال أسلوب أوروبا في التعامل مع وضعها الاقتصادي منذ انتهاء الأزمة العالمية المالية، فهي بدلاً من أن تترك صنابير الانفاق مفتوحة كما فعلت أمريكا بدرجة كبيرة، ركزت علي التقشف حتي وهي تعلم أن الشركات والأفراد لن يمكنهم وحدهم سد فجوة الانكماش في الطلب الناجمة عن تراجع انفاق الدولة. وعلي أية حال فإن هناك علامات ظهرت أخيرا تشير إلي عزم قادة أوروبا علي عدم التشدد في تطبيق سياسات خفض الانفاق وزيادة الضرائب في زمن الركود، وفي هذا الإطار أعطيت بعض دول أوروبا فترات سماح أطول لتحقيق أهداف اقتصادية ومالية معينة مثل خفض عجز الموازنة.