ندعو الله ان يوفقكم في مهامكم الرئاسية، التي تأتي في ظل هذه الظروف المريرة التي تعيشها الامة حيث تم انتخابك لتقود بلادنا في غمار المياه المائجة محليا وعالميا، اننا نقدم كل الدعم لمساعيكم نحو تعزيز مستوي عيش الملايين في هذه البلاد. المهمة التي تنتظر ادارتكم ليست سهلة ابداً، فللمرة الاولي منذ وقت بعيد جداً، تواجه امتنا احتمال ان يكون مستقبل ابناء جيلها اسوأ من آبائهم، فالبطالة في مستويات مرتفعة جداً منذ وقت طويل، ويومياً، يتصاعد خطرها أكثر في هيكلية اقتصاد بلادنا، مستويات الفقر ايضا في ازدياد، وشبكات الضمان الاجتماعي مقيدة، بينما وصل الخلل في عدم المساواة بين الافراد في الدخل والثروة لدرجة تمزيق نسيج المجتمع. يبدو ان مرونتنا الاقتصادية في تراجع، خاصة بعدما تفاقم انخفاض الاستثمار في البنية التحتية لسنوات، ويبدو ان فرصة وجود استجابة اقتصادية شاملة قوية محدودة الآن، لا سيما ان معدلات النمو المستهدفة مازالت دون المستوي، علماً بان عجز الموازنة لازال في مستويات متوسعة. هناك ما يجعلنا بعيدين عن الدول الاخري لمسافات، ولكن ما يخدم الكثير من الاجيال المصرية، انها الثقة الكبيرة عند المواطنين بما يوفره البلد من حيث الفرص والاستمرار قدما، والتصور الخاص بأنه مع الكثير من الجهد والقليل من الحظ يمكن للفرد ان يحسن مستقبله ومستقبل عائلته بصورة كبيرة. هذا الحافز الفريد والقوي علي شفير الهاوية، فهو مقوض بشكوك كثيرة وبالواقع الراهن، لقد بات هذا الحافز، وعلي نحو مطرد، يقاوم الشك المفهوم من ان النظام بما فيه المؤسسات الحكومية يقف مجتمعا ضد مصالح الأفراد العاديين. ولا ننسي ان مصر تعمل في ظل عالم معقد أكثر من السابق، فأوروبا تواجه أزمة ستطول وتعرض دولها إلي تهديد أكثر من ان نعتبره مجرد فوضي مالية واقتصادية، اذ يتضمن هذا التهديد أيضاً مخاطر راهنة تتعلق بعملية التكامل الآمنة في القارة كما ان الولاياتالمتحدة علي شفا هاوية مالية، التوترات الجيوسياسية، بدأت تتصاعد من جديد في منطقة الشرق الأوسط، بينما يعيش الاقتصاد الصيني تباطؤاً، في حين فشل الاقتصاد العالمي في التأقلم جيداً مع مرحلة الصعود التنموية للأمم الناشئة المهمة نظامياً. وفي وقت بات تنسيق السياسة العالمية ضرورياً، لا تزال المؤسسات ذات الجنسيات المتعددة تعاني مشاكل العجز والشرعية والتمثيل التي طال أمدها، ما عليك ايها الرئيس سوي ان تشاهد النتيجة المحبطة للقاءات السنوية التي عقدها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في طوكيو. ببساطة، تعاني بلادنا صعوبات علي حساب القوي المحلية والخارجية، النتائج بعيدة عن القدر المحتوم، ولديك حرية التصرف والتحكم بمستقبل بلدك، وتحسين مستوي معيشة الأجيال الحالية والمستقبلية. وعلينا نسيان ان مصر لديها، دون شك، القدرة علي تجاوز هذه المحن التي تمر بها، ومن خلال ذلك، يمكننا استعادة قدرتنا علي ممارسة القوة الناعمة المناسبة في أرجاء العالم، كما يمكن ان تصبح قائداً لأفضل تنسيق في السياسة العالمية، وملاذاً لتلك الدول والمجتمعات التي تمر بتحولات محلية واقليمية صعبة، وكما أصبح العالم آمناً، كانت آفاق مصر أقوي، والامكانية العالمية كبيرة بالفعل، فالشركات و البنوك المصرية تحتفظ في ميزانياتها العمومية بأموال نقدية تساوي مليارات الجنيهات بدلا من استثمارها في استراتيجيات تجارية ووظائف ومصانع ومعدات جديدة، في غضون ذلك، يميل الكثير من المستثمرين علي ما يبدو نحو الأصول الآمنة ذات العوائد القليلة جداً بدل الاستثمار مستقبلاً في شركات جديدة صغيرة ومتوسطة الحجم. كما ان هناك اتجاها تصاعدياً هائلا يحفز الشركات علي اتخاذ هذا المنحي أو النمط السائد، بالنسبة للبعض، ارتفعت تكاليف الانتاج بصورة حادة، خاصة بعد غياب مصادر الحصول علي طاقة محلية أرخص، أما وسائل الاعلام الاجتماعي والرقمي فمكنت الأفراد والمجتمعات وأصحاب المهن بطرق عديدة، فكر فقط انه من خلال تكنولوجيا المناخ المتوافرة علي نطاق واسع، بات الكثير من المعلومات يتوافر بين أيدي المزارعين لتدلهم علي التوقيت الأمثل للتخصيب ودورات حصادهم، ومن خلال معلومات السوق المناسبة، بامكانهم تنظيم بيع إنتاجهم وتسليمه بعد جهد مضن. علينا جميعاً ان نكون واثقين، فالأعمال الحرة موجودة ووضعها راسخ في مصر، فقط شاهد قصص النجاح الفردية المذهلة والكثير من هذه النماذج الأخري التي تعمل في ظل بيئة شاملة صعبة. التحدي الذي تواجهه اليوم بصفتك رئيسا للبلاد هو ان تمكن كل من يعمل بشكل جيد في البلاد، وتحمي من تعثر ولا يزال يعاني، والمهمشين اما القطاعات الدينامكية علي وجه الخصوص، فلن تكون مشكلة كبيرة امامك. نعم فإدارتك قادرة - ويجب ان تكون كذلك - علي تمكين هذه الفئات أكبر عبر الاستقرار السياسي، والاقتصادي والتأثيرات العقلانية، لكن، في اصعب الظروف سيكون اداؤهم جيدا، اما التحدي الحقيقي الذي يقف أمامك فيكمن في انعاش الجزء الاكبر من الاقتصاد والمجتمع الذي لم يستعد ثباته حتي الان منذ الازمة المالية العالمية في 2008 . يمكن تحقيق ذلك، بل لابد منه، وعندما يتحقق، ستتمكن مصر من استعادة معدلات نموها السنوية البالغة 7% وما فوق، وتخفيض نسبة مستويات البطالة دون 8%، وزيادة معدلات التوظيف إلي أعلي من 6 %، وعكس التدهور الثابت في مستوي ديون الحكومة إلي الناتج المحلي الاجمالي (اقترب حاليا من 85 %) وتحسين المساواة بين المواطنين في الدخل والثروة، ومن خلال هذا، ستستعيد ادارتك دون شك حيوية الطبقة المتوسطة، وتعزيز النسيج الاجتماعي، وتدعم تأثر مصر في العالم. لهذا اسمح لي ان اقترح اربع مبادرات منسقة ومبكرة قد تحدث فروقا كبيرة، اقتراحي اليك يأتي بصفتي مواطنا، وخبيرا اقتصاديا، وأبا، وشخصا قلقا علي اكثر قطاعات المجتمع تعرضا للمخاطر. - اولاً: لتجاوز المرض الاقتصادي الحالي ومعالجة التقلبات الخارجية، يجب استعادة الهيكلة والوظيفة المرنة لسوق العمل، إذ لطالما، اعتمدنا علي الانشاء والسكن، والتمويل والتجزئة في توليد الوظائف، وقد نجحت الخطة، لكن هذه القطاعات تجذرت أكثر في الفقاعة، عمليا، لم تسعفنا بصيرتنا للنظر إلي اهمية التفوق في القطاعات التنافسية علي مستوي العالم، علينا ان نؤهل عمالتنا بشكل افضل، والعاطلين عن العمل بحيث ننافس علي المستوي العالمي، وهو ما يتعلق ببذل جهود لسنوات عديدة في اعادة تنظيم العمالة والتدريب المهني، فإصلاح سوق العمل الناجح في المانيا في منتصف العقد الماضي قدم مؤشرات مهمة في هذا الصدد، وعلينا ان نبذل الكثير في تبني طريقة تعليمية قادرة علي اعداد شبابنا بطريقة افضل في ظل هذا العالم المعقد والقلق. - ثانيا علينا اصلاح قطاع السكن وتمويل هذا القطاع بشكل مناسب، ومن دون ذلك سيستغرق الامر سنوات كي يستعيد هذا القطاع الحساس عافيته، البرامج السابقة كانت محبطة لإنها فشلت فيما يتعلق بالتنويع بالنسبة لشرائح مختلفة من المجتمع، وكلما طالت فترة عبء تحدي المشاركة - نعم انه تحد معقد - جاءت مخاطر المشكلات غير المنظمة أعلي - وخفضت حركة العمالة، وكانت لها تداعيات سلبية علي المجتمع . - ثالثا، علينا ان نبتكر نظام شراكة ضخما. فالشراكة المصاغة جيدا بين القطاعين العام والخاص والتسهيلات الائتمانية المختارة بعناية يمكنها ان تلعب دوراً مهما في النمو والتنمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحاجة الشديدة لتحسين بنية البلاد التحتية. - أخيراً، القضية المالية. عندما تتخلص من التهديد الحالي للعجز المالي، نحتاج إلي تنفيذ الموازنة الصحيحة بين الاصلاحات المالية العميقة علي المدي المتوسط وبين المحفزات الآنية. ولا شك ان العلوم الاقتصادية والرياضيات واضحة في هذا الصدد. فالاصلاحات علي مر الزمن يجب ان تتمحور حول جوانب الايرادات والانفاق في الميزانية. حان الوقت الآن للاتجاه قدما في هذه المبادرات المتداخلة وتجربة السنوات القليلة الماضية تريح قليلا فيما يتعلق بهذا الصدد. انني واثق من ان ما ذكرته ممكن. فعلي مدار السنوات التي قضيتها في مجال الاقتصاد، شهدت تقلبات اقتصادية في بلدان كانت أمامها جملة من التحديات والظروف الصعبة والقليل من الموارد البشرية والمادية، والأكيد ان أيا منها لم يكن يملك الابداع والريادة التي تحظي بهما بلادنا. نحن ندين لأبنائنا باستعادة ديناميكية البلاد. وبما ان خيار المصريين صار واضحا في صناديق الاقتراع يمكننا القيام بذلك و أكثر.