كلما ضاقت بي القدرة علي التعبير عن الزهق والغضب، وتفريغ الكلمات من معانيها، فاللوحات هي ملاذي وهي طبيبي النفسي حيث يستطيع الفنان أن يقوم بدور لا يقصده، وهو غسيل جدران الروح من الأدران التي تشوهها نتيجة ركاكة اليوم بأحداثه تلك الركاكة التي تزيد عن الحد خاصة في الفترات التي تسود فيها الأنانية والجلافة وانعدام القدرة علي التوافق الإنساني، وتحول العيون الي سنارات لأسماك اللذة فتصطاد أسماكا ميتة وعفنة من واقع أشد عفنا من خيال أي أحد. وهاهو صديقي بسمي ميلاد الفنان الذي رصد حياته لعزف موسيقي الألوان هاهو بسمي يرسل لي ثلاثة من لوحاته التي ستكون في مقدمة ما يعرضه متحف كبير بولاية فلوريدا حيث يقيم. أتأمل اللوحات فأجدها ذات قدرة خلابة علي التقاط لون الغروب بما فيه ظلال بنفسجية فتسافر الذاكرة الي حوار قديم مع صديقي الرائع سيف وانلي الذي كان يقول لي: أصعب الألوان علي الإطلاق هو اللون البنفسجي حين يتزواج من الأحمر ليخرج منه لون "الفيوليت" اتذكر اني ضحكت للفنان سيف وأنا أقول له: إنه لون الطفل لحظة استقباله للحياة فور خروجه من رحم أمه، وهو لون بشرة المرأة لحظة توهجها بالرومانسية لاستقبال العناق أو مناداة الحبيب واتذكر ان سيف قال لي: وهو لون الغروب أيضا حين تبدأ الشمس في الرحيل. لوحات بسمي ميلاد التي ترميها لعيونه سحابات فلوريدا الساحرة وظلال أزهار البلدة الصغيرة التي يحيا في رحابها فضلا عن قضائه لبعض أيام اجازاته في "ساراسوتا" تلك المدينة الصغيرة المطلة علي خليج المكسيك ولا أحد يتصور جمال السماء والزهور المزروعة علي مساحات شاسعة في تلك المنطقة من العالم ولكن بسمي يستقطر منها خمرا لعيوننا، خمر تتيح لنا الإفاقة الي جمال الحياة لا الغياب عنها، ويضع بسمي ما يستقطره من هذا الجمال علي اللوحات. وأرفع سماعة التليفون لأقول لصديق العمر د.أحمد عكاشة: هاهو بسمي ميلاد يعالج أوجاع الروح بموسيقي من الألوان تغني من يراها عن زيارة أي طبيب نفسي فيضحك أحمد عكاشة وهو يقول: الفن يساعد الإنسان علي إعادة ثقته بنفسه ويعيد إليه التمرد علي أي زيف يعكر صفاء أيامه. ولا أملك هنا سوي أن أشكر صديقي الرائع بسمي علي ما أرسله لي من لوحات ثلاث متمنيا أن نجد وسيلة لاقناعه بالمجيئ الي القاهرة ليعرض ابداعه في واحدة من قاعات الفن بالمحروسة القاهرة.