إعلان طرح أول مزايدة للتنقيب عن البترول والغاز في المناطق التي تقع في المياه الإقليمية المصرية علي خط الحدود مع قبرص وإسرائيل، أثار التخوفات من اشتعال الصراع علي خط الحدود المشترك علي طول المياه الإقليمية المصرية، خاصة انها منطقة متنازع عليها لعدم الانتهاء من ترسيم الحدود بين مصر واسرائيل وقبرص. وكانت وزارة الدفاع المصرية قد وافقت علي طرح مزايدة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، متضمنة للمرة الأولي 4 مناطق قرب خط الحدود الشرقية في البحر المتوسط مع إسرائيل، حيث حصلت علي جميع التفاصيل المتعلقة بالمناطق، وعمليات التنقيب المستهدفة لضمان تأمينها وطرحها في المزايدة الجديدة، التي تستهدف من خلالها الشركة القابضة للغازات زيادة عمليات تنمية الغاز وزيادة الاستثمارات. وأسندت وزارة البترول عمليات التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في المناطق الحدودية، سواء برية أو مائية لشركات الهيئة العامة للبترول، لضمان الحفاظ علي الأمن القومي، وسمحت لها بمشاركة الأجانب الراغبين في التنقيب. في البداية يقول د. حمدي البمبي وزير البترول السابق إن الاتفاقيات الدولية تحكم وتحمي مواردنا الطبيعية من البترول والغاز الطبيعي واذا توافرت لدينا الادلة علي استغلال اسرائيل لحقول الغاز المصري فلابد من اللجوء للتحكيم الدولي والحفاظ علي حقوقنا، مشيرا الي ان الامر لا يكون بالكلام فقط ولا بد من الاعتماد علي أدلة يقينية . ويؤكد البمبي ان طرح مزايدات للتنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط خطوة مهمة ونأمل جذب شركات قوية قادرة علي عمل اكتشافات كبيرة تخدم الاقتصاد الوطني، لافتا الي ان قطاع البترول المصري جاذب للشركات الاجنبية ومن الاسواق المتميزة من وجهة نظرها منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهناك بعض الشركات تعمل بمصر منذ عهده حتي الآن واثقة في الالتزام المصري بالاتفاقيات والعقود المبرمة معها ولذلك فنحن لدينا سمعة جيدة بالسوق العالمي في هذا المجال . ويضيف ان نسبة الاحتياطي من الغاز الطبيعي مطمئنة ولكن نحناج لجهد اكبر لزيادتها لتلبية احتياجات السوق المحلي، ويؤكد ان قطاع البترول من المجالات الحيوية في مصر ويحتاج الي دعم وتنمية وتدريب العاملين به . ترسيم ومن جهته يؤكد د.ابراهيم زهران وكيل وزارة البترول السابق أهمية الحفاظ علي حقوقنا في المياه الاقليمية أولا وتحديد مدي صحة دخول إسرائيل للمياه الاقتصادية المصرية واللجوء الي الاممالمتحدة والتحكيم الدولي وعدم السكوت علي هذا الامر قبل اقرار المزايدات التي تطرحها وزارة البترول لان ذلك يعد اقرار من مصر باحقية اسرائيل في القيام بما يحلو لها . ويشدد زهران علي ان أي نظام سياسي سيصمت علي الحق المصري هو نظام عميل، مشيرا الي ان التجربة السابقة مع السودان وطرحها مزايدة للتنقيب في منطقة حلايب في التسعينيات من القرن الماضي وتم اعداد مذكرة شاملة ورفعها للامم المتحدة بأن منطقة حلايب ارض مصرية وحذرنا شركات البترول من التنقيب في المنطقة ومنعها من دخول مصر مرة أخري . وأكد أهمية ترسيم المياه الاقتصادية لمصر وعلي فلسطين وتركيا ولبنان والاردن إبرام اتفاقية ترسيم المياه الاقتصادية بالبحر المتوسط للحفاظ علي حقوقهم حيث سبقتنا اسرائيل لابرام هذه الاتفاقية مع قبرص واليونان ورومانيا والمجر لاستغلال موارد المتوسط . وطالب زهران بتعيين وزير بترول وطني يسعي للدفاع عن حقوق الشعب المصري ولا يكون وزير بترول يسعي لحقوق اسرائيل . بداية المشكلة ويري د.رضا الديب أستاذ القانون الدولي أحقية مصر في الاكتشافات من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، مطالبا بضرورة المحافظة علي حقوق وثروات مصر البحرية في البحر المتوسط، والعمل علي مواجهة القرصنة الإسرائيلية. وأوضح الديب ان بداية المشكلة تعود الي الوقت الذي تم فيه اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي تحت مياه البحر المتوسط من خلال شركات أمريكية وقيام اسرائيل بترسيم الحدود البحرية مع قبرص كان بغرض الاستيلاء علي هذا الكم الهائل من الغاز الطبيعي متناسين حقوق مصر وتركيا ولبنان وفلسطين وجميع الدول المشتركة في المياه الاقليمية لمياه البحر المتوسط وهذا يخالف الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة بالنسبة للحدود البحرية والتي تنص علي ان الامتداد البحري الاقليمي لكل دولة هو 12 ميلا بحريا وان كل دولة لها اختصاصها في 200 ميل بحري تمثل المنطقة الاقتصادية لها. وقال استاذ القانون الدولي ان الارقام السابقة ليست مطلقة لأنه من الممكن اذا كانت هناك دولة مجاورة أو مقابلة ان تتعارض معها المسافات والمساحات التي تعتبر بحارا اقتصادية لها مع دولة أخري. وهنا لا يحق لهذه الدولة ان تستغل كل الكميات المستخرجة من أي ثروة ويجب أن يكون هناك نوع من التفاوض وتحديد الخطوط الفاصلة بين الحدود البحرية. وعن موقف مصر تجاه استيلاء اي طرف علي حقوقها، أكد أنه يجب التصدي لمثل هذه الممارسات ونتصرف من منطلق النزعة الوطنية، كما يجب ألا نستهين بهذا الأمر لأنها تعد قضية وطنية من الدرجة الأولي ولا تقل خطورة عن قضية طابا التي تصدينا لها وحصلنا علي حقنا. يذكر أن تقرير هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية 2010 أشار إلي وجود 230 تريليون قدم مكعب من الغاز في المياه الاقتصادية لمصر شرق البحر المتوسط، يخص مصر منها 115 تريليون قدم مكعب في المياه الاقتصادية المصرية وأن إسرائيل استعانت بشركات عالمية للبحث عن الغاز في المياه الاقتصادية مع الدول المجاورة، مما تسبب في مشكلات سياسية مع لبنان وتركيا وقبرص. مستندات رسمية وتقول الدكتورة مني ذو الفقار خبيرة القانون الدولي إن قانون الأممالمتحدة للبحار يعطي الدولة الحق في البحث والاستكشاف عن الثروات المعدنية في مناطقها الاقتصادية الخاصة بها طبقا للحدود المرسومة، وهو ما توضحه المستندات الرسمية والصور الخاصة بالمياه الاقتصادية لمصر حال اللجوء للتحكيم. واشارت نظرا لأن البحار لم تعد استخداماتها تقتصر علي البحوث العلمية والملاحة والهيمنة العسكرية، وإنما ظهرت أشكال مختلفة من الثروات البحرية، فتم استحداث مفهوم أشمل في قانون البحار، يسمي المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تفيد بأن لكل دولة نحو 200 ميل بحري يدخل ضمن حدودها الاقتصادية وتقاس من النقطة التي تقاس منها المياه الإقليمية. وأضافت أنه لا يجوز لدولة أن تعلن بمفردها عن اكتشافات بترولية في منطقة يجوز أن تدخل في إطار حدود دول أخري، لا سيما أن مصر لم تحدد مع إسرائيل أو قبرص حدودها الاقتصادية بعد. قال الفقيه الدستوري د.ثروت بدوي إن لجوء مصر للتحكيم الدولي في حالة اعتداء اسرائيل علي حقوقها في الغاز الطبيعي علي خط الحدود الدولية، يساعد في استرجاع حقوقها المسلوبة وفقا للقانون الدولي ومعاهدة ترسيم أعالي البحار التي وقعتها مصر في 1983 وتضم أغلب أعضاء الأممالمتحدة، لافتا ان هذه المناطق تتفق مع خط الحدود الدولية الذي قامت الحكومة المصرية بإبلاغ الأممالمتحدة به ويراعي القانون الدولي. وأضاف أنه من الوارد أن يكون هناك تداخل مع إسرائيل باعتبار أنها دولة موازية لنا علي الساحل، ولذلك يجب بدء تفاوض الدول المعنية ومنها مصر ولبنان وسوريا مع إسرائيل تحت إشراف الشعبة الخاصة بقانون البحار بالأممالمتحدة، لترسيم الحدود، لضمان عدم التعدي علي الحدود الاقتصادية البحرية المصرية. وأكد بدوي: هذا ليس جديدا علي مصر فهناك سابقة بين مصر واسرائيل بالنسبة للمياه البحرية حيث فكرت اسرائيل من قبل عام 67 في استغلال المياه البحرية لمصر بعد احتلالها لسيناء واستجلبت إسرائيل حفارا بحريا للحفر في المياه الاقليمية المصرية ولكن تم تدمير هذا الحفار في عملية شهيرة جدا لا تخفي علي أحد أطلق عليها "مرضاخ" وتم تدميره علي السواحل الافريقية وكانت هذه العملية لمنع اسرائيل من العمل واستغلال المياه الاقليمية. المنطقه الاقتصاديه المصرية في البحر المتوسط عرضها من 45 الي 90 ميلا داخل فيهم المياه الاقليمية، نحو 12 ميلا بحريا، وفي البحر الاحمر من 15 الي 90 ميلا بتنقيص 12 ميل للمياه الاقليمية. وعليه يشير الفقيه الدستوري ان الحقوق المصرية البحرية محفوظة بالاتفاقيات الدولية وأن أي اكتشاف أو استخراج من مياه البحر الأبيض المتوسط الأمر فيها محسوم فإذا كانت هذه الاكتشافات داخل المياه الاقليمية المصرية فهي حق خالص لمصر واذا كانت خارجها فليس لمصر أي حق فيها أما اذا كانت الحقوق مشتركة فلن تتهاون الخارجية المصرية في المطالبة بهذه الحقوق وستبذل كل الجهد للتوصل الي اتفاقيات تتيح لمصر المشاركة في هذه الاكتشافات حتي لو كانت اسرائيل تريد خلاف ذلك لأن الأمر خاضع برمته للاتفاقيات الدولية الملزمة للجميع. وعلما بأن مصر تنتج 6.5 مليار قدم مكعب غاز يوميا ويتركز إنتاج الغاز في البحر المتوسط ودلتا النيل والصحراء الغربية، فيما بلغ الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي نحو 77 تريليون قدم مكعب من الغاز. فإن الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي العام، دعا إلي ضرورة تشكيل فريق عمل وطني جاد يحدد الجوانب الفنية والسياسية المختلفة لموضوع ترسيم الحدود وتشارك فيه جهات البترول والخارجية والأمن القومي وأساتذة الاقتصاد والجيولوجيا والقانون الاستشعار عن بعد. وأشار إلي أن هناك نزاعا قانونيا آخر بين مصر وإسرائيل فضلا عن اتفاقية الغاز وهو النزاع القانوني حول ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما في البحر المتوسط، مشيرا إلي أنه بعد إبرام مصر وقبرص لاتفاقية ثنائية حول ترسيم الحدود الاقتصادية بينهما في البحر المتوسط قامت كل من إسرائيل وقبرص فيما بعد بإبرام اتفاقية لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية بينهما في البحر المتوسط مما يمثل اعتداء علي حقوق مصر في هذه المنطقة وفقاً للاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص. وأكد سلامة: رغم تأخر طرح مناطق الامتياز الجديدة فإنه خطوة مهمة للغاية، في ظل تسارع عمليات التنقيب من جانب الدول المجاورة مثل لبنان، وإسرائيل وقبرص اللتين تعتزمان الدخول في شراكة عسكرية وسياسية لتأمين اكتشافات الغاز في البحر المتوسط. حسم الحقوق ومن جهته يؤكد د. حمدي عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية السابق أهمية حسم الحقوق المصرية في المياه الاقليمية قبل التعاقد مع اي شركة للتنقيب عن الغاز، واللجوء للتحكيم الدولي ضد اسرائيل والشركات التي قامت بالتنقيب في المناطق المصرية وتعويض مصر . ويشير الي ضرورة اختيار انسب العروض من حيث الاسعار والحصص التي سيتم تقسيمها بين شركة التنقيب ومصر مؤكدا ان مصر تحتاج للطاقة بشكل متزايد رغم ارتفاع نسبة الاحتياط الذي تجاوز ال97 تريليون متر مكعب نتيجة الاكتشافات الجديدة فيما يقول د. فرج عبدالفتاح استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: علينا الانتباه جيدا لما يتردد حول هذا الامر لان مثل هذه الاتهامات دفعت العراق لغزو الكويت في التسعينيات من القرن الماضي وكانت مبررا للتدخل الدولي واعلان الحرب علي العراق وتحرير الكويت ولذلك فعلينا التأكد أولا من التعدي الاسرائيلي علي الحقوق المصرية ومن ثم اللجوء الي التحكيم الدولي وفقا للاتفاقيات الدولية المنظمة لهذه العملية للحفاظ علي مواردنا بكل الطرق السلمية . ويضيف ان كل دولة لها مياهها الاقليمية والتي لها مطلق الحرية في القيام بما تريد وفي حالة سحبها لمخزون من الغاز او البترول من مياه اقليمية لدولة اخري يجب بحثها اولا بالطرق السلمية واتخاذ كافة السبل للدفاع عن هذه الحقوق . ويؤكد علي ان طرح مزايدة للتنقيب عن الغاز خطوة مهمة لدعم قطاع الطاقة في مصر ويجب الحصول علي أفضل العروض المقدمة من الشركات الاجنبية وخاصة مع عدم وجود شركة مصرية قادرة علي الفوز بالمزايدة او القيام بعمل التنقيب . ويشير الي ان المزايدة ستسهم في جذب استثمارات مباشرة جديدة خاصة ان القطاع واعد وجاذب للاستثمار نظرا لما يوفره من عائد كبير للشركات العاملة بالسوق المصري بما يزيد علي 12% مقارنة بالاسواق العالمية الاخري. ويضيف: كنا دائما نطالب بجذب استثمارات مباشرة في قطاعات الصناعات التحويلية ولا يقتصر الامر علي قطاع البترول والتعدين فقط، لان الشركات تحقق اعلي عائد من خلال عملها بمصر. ويشدد علي أهمية ابرام عقود عادلة بين الشركات الاجنبية والحكومة المصرية خلال الفترة القادمة نظرا لان العقود الماضية مجحفة للغاية للحقوق المصرية خاصة ان قطاع البترول قابل للنفاذ وغير متجدد .