لم يقل لنا تاريخ الإسلام حقيقة الدول الإسلامية، فبعد رحيل النبي صلي الله عليه وسلم، جاء أبوبكر الصديق، وهو الخليفة الوحيد من بين الخلفاء الراشدين الذي مات علي فراشه، أما الفاروق عمر فقد قتل، وتبعه عثمان بن عفان وقتل أيضا، وجاء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وأرضاه، وقتل أيضا، ثم جاءت الدولة الأموية علي أرتال من جثث شريفة تنتمي إلي البيت النبوي الطاهر، وتبعتها الدولة العباسية، وهكذا لم يترك تراث الحكم في الإسلام قاعدة واضحة لتولي الحكم، وكأن ذلك هو إرادة من السماء بأن يكون شرع الله حيث توجد مصلحة الإنسان. واذا كنا نعيش حاليا في مرحلة الاستعمار عن بعد، ووسيلة ذلك هو العولمة والشركات المتعددة الجنسيات، وتحكم دولة واحدة في مصير الكون، لذلك فحكاية تقليد الغرب في ديمقراطيته التي أقامها علي أساس من تطور صناعي واعتماد ذاتي في أغلب الأحوال، هذا التقليد ينبئ بعواقب شديدة الوطأة علي مجتمع مزدحم بالمشكلات مثل المجتمع المصري، ولهذا كنت من أوائل المنادين بأن يتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة أمور هذا الوطن لمدة ثلاث سنوات علي الأقل، يملك فيها المجتمع فرصة لإعادة تكوين قواه السياسية بعيدا عن هذا الضجيج الذي أقامه من يتوهمون أنهم خلفاء الله في الأرض، أو شركاؤهم في الضجيج من القوي الليبرالية الذين يتوهمون أن مصر هي قطعة من أوروبا. وتجربة مصر مع الإخوان المسلمين هي تجربة مع علم "اللوع" الذي قال عنه فيلسوف العامة وشاعرها الكبير صلاح جاهين "علم اللوع أكبر كتاب في الأرض لكن اللي يغلط فيه لازم يجبيه الأرض"،وقد أتقن حسن البنا رحمه الله علم اللوع، فكانت النتيجة هي موجات الاغتيال التي قام بها جهازه السري، وكانت النتيجة هي إنكاره لهذا الجهاز، وكان هذا الانكار كما هو ثابت تاريخيا سببا في الكشف عن خبايا التنظيم السري للإخوان، ورغم أن المرشد الثاني الهضيبي قال ما يؤكد أن الإخوان دعاة لا طلاب حكم إلا أن سيد قطب ملأ السجون التي أرادت اغتيال جمال عبدالناصر بالضحايا لأفكاره، وطبعا لم يكن لجمال عبدالناصر فرصة للتعاون معهم بعد أن تعاونوا مع خصومه من الحكام العرب، وطبعا كان الخصوم علي اتفاق مع المستعمرين الجدد للمنطقة العربية وهم الأمريكان. باختصار كان انتشار تنظيم الإخوان المسلمين فيما بعد السادات هو ابن للقهر ومقاومة للظلم، وفي نفس الوقت لم يطور الإخوان أفكارهم، بل صاروا طلاب سلطة لا شركاء في ادارة مجتمع، وكانت السوأة الأساسية هي فوزهم في الانتخابات الأخيرة بناء علي الإدعاء بأنهم "بتوع ربنا"، رغم أن الكون كله "بتاع ربنا" بما فيه من الليبراليين وغيرهم. وأي محاولة لنيل ثقة الإنسان المصري المثقف في الإخوان المسلمين تمر بمبدأ وحيد قاله حسن البنا قبل اغتياله وهو "لذلك خلق الله الندم"، والندم لمن لا يعرف هو المساوي للنقد الذاتي، ولم يقم الإخوان المسلمون أبدا بأي نقد ذاتي، مثلهم مثل الحزب الوطني الذي يكرهون أن نشبههم به، ولكن ان صنعنا تمثالا لتقلبات الإخوان منذ فوزهم في الانتخابات التشريعية ووضعنا أمام هذا التمثال مرآة لظهرت لنا صورة الحزب الوطني. النقد الذاتي العلني هو الطريق للفوز بقلوب وعقول الناس وهذا ما يجب أن يستوعبه كل فرقاء العمل السياسي من ليبراليين وإخوان مسلمين، أما السلفيون فعليهم علاج حالة الكذب التي ظهرت علي البلكيمي، والتي أزاحت جسر الثقة فيهم أجمعين علي الرغم من أن فيهم أناسا صالحين. منير عامر