أزمة رغيف الخبز المدعم هي الصخرة التي لم تستطع أي من الحكومات المتعاقبة علي مدي 60عاما أن تزحزحها أو تحاول ذلك وظلت هذة الأزمة تتلقفها الحكومات المتتالية ككرة اللهب لا تستطيع الإمساك بها أو إطفاءها.. وبداية حل أي مشكلة هو تحديد ملامحها ومن ثم أساليب العلاج والأهم هو التوقيت المناسب، ومع تعالي الأصوات في مصر بإلغاء منظومة الدعم التي تلتهم 157مليار جنيه من الموازنة المصرية البالغة 495 مليار جنية أي حوالي 31%منها، والسؤال الأن هل الظروف التي يمر بها الاقتصاد المصري ويحتاج للترشيد في الانفاق مناسبة للاقتراب من منظومة الدعم وخاصة دعم رغيف الخبز الذي يمس كل الشعب المصري ويشعر بالحزن اذا لم يجده أمامه علي مائدة الطعام ثلاث مرات يوميا؟ حتي نحدد ملامح الصورة ووفقا لأحدث بيانات وزارة التموين والتجارة الداخلية فإن مصر تنتج 300 مليون رغيف خبز مدعم ب"5 قروش" منذ عام 1998 كل طلعة صباح ينتجها 18 ألف مخبز بمتوسط 3.8 رغيف لكل مصري ورغم الاهدار الشديد الذي يسيطر علي منظومة الخبز في مصر إلا أنه لم يستطع أحد الاقتراب من هذا الملف أو محاولة إيقاف النزيف، لماذا؟ الدكتور أنور النقيب مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية للسياسات يؤكد أن نظام الدعم الحالي غير كفء ولايحقق الأهداف وبه اهدار للموارد فوفقا لتقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2010 فإن حجم التسرب في الدعم بلغ حوالي 39%.. مشيرا إلي انه وفقا لأبحاث أجرتها الوزارة فان نصيب الشريحة الخميسية الأولي الأقل إنفاقا من السكان يبلغ نصيبها من الاستهلاك الفعلي السلع المدعومة حوالي 9.5% بينما نصيب الشريحة الخميسية الأعلي إنفاقا يبلغ نصيبها 39.3% من الاستهلاك الفعلي للسلع المدعومة في يناير 2012. واقترح الدكتور أنور النقيب لعلاج أزمة الخبز المدعم إعادة هيكلة هيئة السلع التموينية بحيث تلعب في السوق بطريقة اللاعب المحترف لتوفير القمح لاستهلاك المصريين علي مدار 4 أشهر، مع التوضيح الكامل لسلطات ومسئوليات كل الهيئات والمؤسسات التي تعمل في منظومة الدعم.. مشيرا إلي ان الوزارة ستقوم بتحرير مرحلة الطحن بدون تدخل من الدولة وتشتري الدقيق بسعر السوق كبداية للتحرير الكامل لهذه المنظومة بعد تحسن الظروف في المجتمع أو التحول للدعم النقدي. تسرب 4،4 مليار جنيه وأكدت الدكتورة رشا رمضان أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تدخل الحكومة في كل مراحل الإنتاج لرغيف الخبز يسمح بتسرب حوالي 4.4 مليار جنيه من إجمالي الدعم للخبز البالغ 11مليار جنيه وهو مايعني أن 35% من الدعم يهدر بدون استفاده خاصة أن العقوبات المفروضة علي الجرائم في تلك المنظومة يسمح بهذا الفساد لأنها عقوبات ضعيفة، مطالبة بإخراج هيئة السلع التموينية من منظومة الدعم وهو ما يضمن تحريرسلسلة إنتاج الخبز بأكمله بحيث يحل مكانها المرونات السعرية والدور الوحيد للدولة في المنظومة هو مرحلة التوزيع، مع الاهتمام بالمزارعين والسياسة الزراعية . وتساءل الدكتور عطية حسين أستاذ الإدارة العامة بجامعة القاهرة إلي أي مدي الجهاز الإداري بالدولة قادرعلي تطبيق رؤية التحول من الدعم العيني الي الدعم النقدي؟ مؤكدا ان كل وزير للتموين يأتي فيلغي رؤية الوزير السابق ويبدأ من الصفر ولذلك سنظل ندور في حلقة مفرغة وما نحتاج إليه هو الجرأة في اتخاذ القرار لأن هذا القرار مرتبط باستقرار مصر بدليل أنه حينما فكرت الحكومة عام 1977 المساس بمنظومة الخبز حدثت انتفاضة الخبز وتراجعت الدولة عن المساس بهذه المنظومة . وأوضح أنه بعد الثورة لابد من اتخاذ قرارات جريئة ولكن بشكل تدريجي من خلال التحرير التدريجي لمنظومة إنتاج الخبز فيما عدا مرحلة التوزيع لضمان وصول الخبز للفقراء. الطعام.. أمن قومي بينما أكد المهندس سعد الحسيني رئيس لجنة الخطة والموازنة أنه لتحقيق الاستقرار السياسي في مصر ضرورة لابد من الفول والعيش والزيت لكل مصري يوميا، مشيرا إلي أننا نستورد من السلع الثلاث 50% و65% و93%من احتياجاتنا من هذه السلع وهو ما يعني أن الاستقرار السياسي في مصر مرهون بقرارات خارج مصر، إذن أي نظام سياسي يسعي لتحقيق الاستقرار من خلال معادلة لا يملكها . وأضاف أن دعم الخبز بلغ 22 مليار جنيه في الموازنة الماضية وانخفض في الموازنة الحالية إلي 11 مليار جنيه وهو ما يعني أن التغير في أسعار القمح عالميا يمكن أن يسبب ازمة كبيرة في الموازنة العامة للدولة.. مشيرا إلي أن السودان وهي دولة أفقر من مصر حررت سعر الخبز ونجحت في ذلك وهو ما يعني أن المشكلة التي تواجه السلطة التنفيذية في مصر لعلاج هذا الملف هو الجرأة التي نفتقدها خلال الفترة الحالية بدليل أن تركيا وهي دولة قريبة من ظروفنا إلا أنها نجحت في تخفيض استيراد الأقماح إلي مليون طن فقط سنويا بينما مصر تستورد حوالي 6.5مليون طن سنويا .