بدت بشائر انتخابات شفافة وصحيحة في مرحلتها الأولي، ونتمني لباقي المراحل أن تستمر علي هذا النمط ويرجع الفضل في ذلك إلي يقظة الشعب وإلي استجابة المجلس العسكري لها وإن كان لنا عليه عتاب سنبديه فيما يلي.. وتزامن ذلك مع تشكيل وزارة جديدة ذات حركة أسرع وأقرب إلي تخفيف القلق الشعبي من الحالة الأمنية المتردية والحالة الاقتصادية السيئة.. فتنادي بعض أعضاء المجلس العسكري علي أثر تقدم تيارين إسلاميين في المرحلة الأولي من الانتخابات، بأن مهمة مجلس الشعب الجديد لا تشمل تشكيل وزارة جديدة من الحزب أو الأحزاب الحائزة علي الأغلبية، ولا تشمل سحب الثقة من الوزارة الجديدة.. فهل هذا يتفق مع الثورة نصا وروحا؟ يجب خروج رد عسكري علي هذه النقطة.. ومع ذلك فلنا بعض الملاحظات: 1 صحيح أن الإعلان الدستوري المعمول به في مصر حالياً ينص علي حق رئيس الدولة وحده "المجلس العسكري الآن" في تشكيل وإقالة الحكومة باعتبار أن مصر جمهورية رئاسية ولكن من المبادئ الدستورية العامة أن وظيفة البرلمانات في دول العالم ذات النظم البرلمانية هي وظيفة تشريعية تشمل إسناد تشكيل الوزارة التي تعقب الانتخابات التشريعية إما إلي الحزب الفائز أو إلي تكتل أو ائتلاف من الأحزاب تمثل معاً الأغلبية في البرلمان. وكان هذا سائدا في العهد البائد حيث كانت جميع الانتخابات مزورة، فكان الحزب المنحل دائماً يفوز بأغلبية ساحقة ويتولي تأليف الحكومة الجديدة.. وصحيح أن تكليف رئيس الوزراء كان يتم بقرار جمهوري وأن عضوية الحزب الوطني المنحل لم تكن شرطاً لعضوية الحكومة، لكن الانسجام بينهما كان محل مراعاة. 2 نتمني ألا يظل الفراغ التشريعي والدور الرقابي علي الأداء الحكومي معطلا إلي أن يتم وضع الدستور الجديد.. لأن استمرار هذا الوضع يتعارض مع المصلحة العامة، إذ لا يستفيد من تعطيل الأدوات الرقابية والتشريعية إلا الفاسدون والمرتشون وأنصار العهد البائد. 3 إن مصادرة نشاط الأحزاب بعد أن نجحت في الانتخابات، هو أمر مخالف لرغبة الشعب الذي انتخبهم ومخالف لروح الثورة التي قامت لتنصف هذا الشعب وتحرره من فرض القيود علي حريته في اختيار من يعهد إليهم بسلطة الرقابة والتشريع. 4 إن رأي العسكر ولو كان بالإجماع لا يمكن له أن يتفوق علي الإجماع الشعبي الذي يبتغي سرعة إنجاز الأولويات من استقرار الأمن نهائيا وإصلاح الاقتصاد جذريا وإزالة العقبات في سبيل تقدم البلاد.. ويجب أن يسلم العسكر السلطة التشريعية والرقابية علي أداء الحكومة إلي هذا المجلس الجديد، بل ولهم أن يقوموا بتشكيل هذه الحكومة أو تطعيم الحكومة القائمة. 5 إن من بيده السلطة يجب أن يحسب ألف حساب لهذا الشعب الذي ظهر أنه يختزن المآسي ثم ينفجر مرة واحدة لا تبقي ولا تذر وقد عرف طريقه إلي الحرية ودفع ثمنها من دماء أبنائه.