فجأة خرجت أمريكا برواية منتحلة تتحدث فيها عن مؤامرة مفترضة تقف وراءها إيران وتستهدف اغتيال عادل الجبير سفير السعودية في واشنطن وتفجير السفارتين السعودية والإسرائيلية في واشنطن. المؤامرة تتحدث عن تورط اثنين من الإيرانيين احدهما يحمل الجنسة الأمريكية في تنفيذ هذا المخطط من خلال التعاون مع مافيا مكسيكية لتهريب المخدرات. أكدت أمريكا أنها تملك أدلة دامغة تثبت تورط إيران في تمويل وتجهيز مجموعة إيرانية تابعة لفيلق القدس لتنفيذ المخطط المذكور. مسئول بالبيت الأبيض أكد أن أوباما اطلع علي مسار هذا المخطط منذ يونيو الماضي وهنا يثور السؤال لماذا إذن التزمت أمريكا بالصمت كل هذه الفترة ولم تكشف النقاب عنه في حينه؟ ولاشك أن هذا عزز الشكوك التي حامت حول القصة بأكملها وأنها ليست إلا فرية خرجت بها إدارة أوباما وفي هذا التوقيت بالذات لتحقيق عزل إيران دوليا وتشديد العقوبات عليها وتهديدها بأن كل الخيارات مطروحة علي الطاولة بما فيها الخيار العسكري. انبرت أمريكا في حشد الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي ضد إيران وسارعت بريطانيا وفرنسا بالانضمام إلي الموقف الأمريكي والبحث في تنسيق الأدوار. إنه نفس السيناريو الذي سبق ل "بوش" الصغير أن نفذه في 2003 عندما اختلق ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها نظام صدام وشراء شحنات اليورانيوم من النيجر بل وأقامت إدارة "بوش" يومها العلاقة بينه وبين تنظيم القاعدة واحداث 11 سبتمبر 2001. يومها تماهي معه كلبه الوفي "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني وقتئذ وحاول ترسيخ الفرية بحديث كاذب حول إمكانية تجهيز سلاح الدمار الشامل العراقي في غضون 45 دقيقة! اليوم يعاد نفس السيناريو ولكن الضحية اليوم هي إيران تختلق إدارة أوباما مسرحية هزلية لا يمكن تصديقها عندما تتحدث عن مؤامرة إيرانية تستهدف اغتيال السفير السعودي في واشنطن. وبالطبع لا يمكن تصديق هذا الهراء، فالمخابرات الإيرانية ليست بهذه السذاجة وضحالة الفكر كي تقدم علي عملية كهذه. مخابرات إيران معروفة بدقة عملها وحرفيتها العالية ولا يمكن لجهاز مخابرات محترف إرسال مبالغ مالية من حساب مصرفي معروف لاستئجار رجال عصابات من المكسيك كي تنفذ اغتيال السفير السعودي في واشنطن. بل من الجنون أن تقوم إيران بملاحقة السفير السعودي ومحاولة قتله علي التراب الأمريكي، إذ كيف يمكنها فعل ذلك وتعريض نفسها لخطر ساحق ماحق؟! أما من سيدفع ثمن ترويج مثل هذا الاتهام المشبوه في السعودية وإيران معا، فلاشك أن توجيه الاتهام إلي إيران بالتخطيط لمؤامرة ضد المملكة السعودية من شأنه أن يشعل أوار حرب باردة ضروس بين البلدين بحيث تكون لغة العداء بينهما مرشحة للتصعيد. الغريب أن السعودية صدقت هذه الفرية إلي الحد الذي ذهب فيه بعض إعلاميها إلي مطالبة أوباما بالحزم تجاه إيران لأن المخطط الذي أرادت تنفيذه كان سيصبح صورة من كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 فيما لو كتب له النجاح. وفي الحادي عشر من أكتوبر الحالي ظهرت خشبة المسرح السياسي الأمريكي عامرة بالمسئولين الأمريكيين كلهم يتحدثون عن مخطط الاغتيال، فرأينا المدعي العام، بايدن نائب أوباما، وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، إرك هولدر وزير العدل الذي تقمص نفس الدور الذي لعبه كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق عندما مثل أمام الأممالمتحدة ليتحدث عن أن صدام يملك برامج لتطوير أسلحة دمار شامل. وأكد جميعهم أن المؤامرة الإيرانية قد كشفت أن ردا دوليا حاسما سوف تحشده أمريكا ضد إيران، وأن كل الخيارات مطروحة علي الطاولة بما يعني أن العمل العسكري قد يكون أمرا واردا. ويظل اتهام إدارة أوباما لإيران حتي الآن اتهاما سياسيا والذي يمكن أن يؤدي بالقطع إلي تداعيات خطيرة فالمفترض قبل توجيه الاتهام أن تكون هناك أدلة دامغة تثبت أو تدين بالفعل الجرم الذي كان تنفيذه مخططا وهو ما لم يتوافر حتي الآن.