الكتابة عن رجال الأعمال ليست من بين هواياتي أو اهتماماتي، كما أنها عمل محفوف بالمخاطر والشبهات، لذلك فضلت أن أريح وأستريح وأترك عالم الثراء والأغنياء لأصحابه وعشاقه والمنتفعين به أو الساعين إليه. لكن هناك "استثناء" ظل يلح علي قلمي لكسر هذه "القاعدة" التي التزمت بها دائما. هذه الظاهرة الاستثنائية في عالم البيزنس اسمها "ناصر الخرافي"، رجل الأعمال الكويتي. وهو ليس شخصا استثنائيا بسبب ثروته الطائلة، حيث صنفته مجلة "فوربس" مع عائلته ضمن قائمة أغني أغنياء العالم بثروة قدرتها بنحو 11،5 مليار دولار. وليس بسبب نجاحه في تطوير بيزنس عائلته الذي بدأه والده عبدالمحسن الخرافي، فجعل منه امبراطورية تمتد أعمالها ومشاريعها في أكثر من بلد عربي، وتتوزع استثماراتها في مجالات عديدة تشمل السياحة والفنادق، والطيران والمطارات، والصناعة الهندسية، وتكنولوجيا المعلومات، والأسمدة، والزجاج، والبنوك والاستثمارات المالية وقطاع الخدمات، والصناعات الغذائية، التي من بينها شركة "أمريكانا" بفروعها المنتشرة في البلدان العربية، والتي تبلغ مبيعاتها وحدها 600 مليون دولار سنويا، وتقدم أكثر من 65 مليون وجبة سنويا. .. كل هذا مهم بحسابات عالم البيزنس، ورغم أن قليلين من رجال الأعمال حول العالم استطاوا أن يحققوا هذه الأرقام الفلكية، إلا أنها تبقي "شطارة" في الاستثمار وموهبة في تحويل التراب إلي ذهب. ما يجعل من ناصر الخرافي شخصا استثنائيا عدة أمور: الأمر الأول: هو أنه "مصري الهوي" وهو مصري الهوي بالأفعال وليس بالأقوال فهو قد وجه بسبق الاصرار والترصد جزءا معتبراً من استثماراته إلي مصر، حتي بلغ حجم هذه الاستثمارات عام 2008 حوالي 7 مليارات دولار، وتتركز في الصناعات كثيفة العمالة، يعمل بها ما يقرب من 300 ألف مصري، من خلال 35 مشروعا "عملاقاً، من بينها مشروع "بورت غالب" الذي يحتوي علي عدة فنادق كبري، وميناء دولي علي البحر الأحمر يستقبل اليخوت الضخمة التي يمتلكها أثرياء العرب والعالم، ومصفاة لتكرير البترول بطاقة 15 ألف برميل بتكلفة مليار دولار، ومشروع حول بحيرة قارون لاستخلاص الأملاح وتصديرها بتكلفة 785 مليون دولار ويوفر 5 آلاف فرصة عمل، إلي جانب سلسلة "أمريكانا" التي يعمل بها 20 ألف مصري. صحيح أن هذه المشروعات تحقق أرباحاً، أو تستهدف تحقيق ربح في المقام الأول، لكن الأهم هو أن ناصر الخرافي اختار إقامتها في مصر انطلاقا من إيمان عميق بأهمية مصر، وضرورة دعم اقتصادها، لأنها "ظهر العرب" علي حد قوله. ومن المسلم به أن "رأس المال جبان ويسعي إلي الملاذات الآمنة للاستثمار لكن ناصر الخرافي ضرب بهذه القاعدة الرأسمالية المسلم بها عرض الحائط وكان المستثمر العربي الوحيد الذي ضخ استثمارات كثيفة إلي مصر يوم أن كان الكثير من رجال الأعمال من مختلف الجنسيات، وحتي بعض رجال الأعمال المصريين، يهربون بأموالهم خارج مصر، في أعقاب العملية الارهابية التي وقعت بالأقصر وروعت مصر والعالم. وفي تلك الأيام السوداء تدهور سعر صرف الجنيه المصري، وكانت كل المؤشرات تؤكد أنه سيتعرض لمزيد من التدهور والانهيار فما كان من ناصر الخرافي إلا أن عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه مضاعفة حجم استثماراته في مصر، وأرسل مليار دولار للبنك المركزي المصري من أجل دعم الجنيه وأعلن أن أي أرباح تتحقق من مشروعاته سيعاد استثمارها مرة أخري في مصر وبذلك لم يخرج دولار واحد من البلاد، كما لم يقترض مليما واحداً من البنوك المصرية. وعندما كان يري نظرات الدهشة في عيون مجتمع البيزنس الذي لا يعترف بمثل هذه "العواطف" قال"مهما فعلنا لمصر فلن نعطها حقها، لأنها ببساطة هي صدر وظهر العرب ثم إن مصر هي المكان الأعظم للاستثمارات وبها