أكثر من تسعة وثلاثين عاما مرت علي شرارة الأحداث الطائفية في مصر التي افتتحت باكورة نشاطها عام 1972 في ضاحية الخانكة بمحافظة القليوبية بإحراق مقر جمعية الكتاب المقدس وانتهت بأحداث إمبابة المؤسفة. وشكل الحادث أول اختبار لمصطلح كان قد ذاب مع الانصهار الحضاري بين الإسلام والمسيحية وعاد مجددا يظهر وهو ما يسمي "وضع الأقباط في مصر" وهي العلاقة التي تعقدت كثيرا وانتهت بصورة درامية بعد الإفراج عن التيارات الدينية المتشددة السياسية لاقصاء التيارات الأخري، من اليساريين والشيوعيين، إلي أن وقعت أحداث الزاوية الحمراء في يونية عام ،1981 والتي بدأت بخلاف عادي علي قطعة أرض إلي قتال شوارع استمر عدة أيام انتهي بمقتل 81 قبطيا وفق التقديرات الرسمية. ولم تقف عواصف 1981 عند "الزاوية الحمراء" بل امتدت لتشمل حالة احتقان سياسي وصل إلي اعتقال كثير من الرموز السياسية والفكرية من جميع التيارات والمشارب والطوائف وما هو أحدث احتقان سياسي تجذر إلي ديني وحملت سنوات التسعينيات لمصر تحديات الإرهاب الأسود لتضرب مسلمين ومسيحيين معا، إلي أن استطاعت الدولة بصبر وتضحيات كبيرة القضاء علي تلك الجماعات المسلحة، التي أرادت ترجمة نموها وظاهرة "التدين" الشكلي التي شهدتها مصر في عقدي السبعينيات والثمانينيات إلي سلطة حاكمة ونافذة في البلاد . وأحداث التسعينيات لم تكن تستهدف الأقباط، حتي وإن كانت بعض جماعات الإسلام السياسي قد أصدرت فتاوي تبيح الاعتداء علي الأقباط والاستيلاء علي محال الذهب التي يملكونها لتمويل عملياتهم "الجهادية". وشكلت حقبة التسعينيات حربا حقيقية وقفت فيها الأمة المصرية بشقيها والدولة في صف واحد ضد عدو مشترك هو "الإرهاب" وقبل أن يودع المصريون الألفية الماضية لم تمض إلا أشهر معدودة حتي وقعت أحداث قرية "الكشح" في أقصي جنوب مصر، والتي بدأت بمشاجرة بين تاجر مسيحي وزبون مسلم، لتنتهي بمقتل 19 قبطيا ومسلم واحد. ثم حملت الألفية الجديدة محاولات إرهابية رغبت في ضرب الاقتصاد المصري من جهة ومن جهة أخري زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي من خلال تأجيج القضايا العالقة في حوادث فتن طائفية متفرقة. وفي عشية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد 7 يناير من عام 2010 أطلق مسلحون مجهولون النار علي تجمع قبطي أمام إحدي كنائس نجع حمادي، في الصعيد، ليسقط ثمانية قتلي. وقد مثل عام 2011 مرحلة جديدة للفتن الطائفية حينما بدأ العام بتفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في الساعات الأولي من فجر اليوم الأول من العام الحالي وفي تطور لافت للنظر ساعدت الثورة البيضاء في الخامس والعشرين من يناير في تقريب حير الخبراء في تفسيره إبان الانفلات الأمني الذي جعل شباب المسلمين يسهرون علي حراسة الكنائس في صورة أعادت إلي الأذهان عباءة مصر السمحاء التي ذاهبت فيها الأديان والاعراق قبل أن تلوثها السياسة وألاعيبها الحمقاء لكن الصورة اختلفت مرة أخري مع نشوب أحداث فتنة طائفية جديدة في أحداث أطفيح ثم إمبابة والتي جاءت مندرجة ومتشعبة تحت عناوين الأحدث الكبري التي شهدت سجالات وشحن ديني حاد تصاعدت وتيرته في العقد الماضي علي وجه التحديد بداية من قضية "الراهب المشلوح" وقضيتي كاميليا ووفاء قسطنين ثم فتاة إمبابة. ومازال ملف الفتنة مفتوحا ويحتاج إلي حسم فوري حتي لا تأكل نار الفتنة مصرنا الحبيبة.