هل تستطيع القول، بأن عهدا جديدا سوف يبدأ بعد مفاجأة توقيع اتفاق المصالحة المدوي بين حركتي فتح وحماس بحروفه الأولي في مصر الأسبوع الماضي؟ هل نستطيع القول إن صفحة مظلمة ملطخة بالدماء الفلسطينية قد طويت آلامها وأوجاعها إلي الأبد؟ هل نستطيع القول إنه تم الاتفاق علي إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني بحيث يكون نظاما واحدا متكاملا ومتوافقا علي استراتيجية ورؤية لمستقبل الشعب الفلسطيني وحل قضيته الوطنية؟ هل تم الاتفاق علي صياغة منظومة أمنية موحدة، لا تخدم أجندات حزبية أو فئوية، وتلغي ارتباطا نسج خلال السنوات الماضية مع جهات إقليمية؟ وهل سيكون هناك توافق وتراض يشمل جميع أطياف الشعب الفلسطيني حول حكومة الائتلاف الوطني، دون الدخول في تفاصيل فئوية يكمن فيها الشيطان؟ هذه الأسئلة بدأت تشغل بال كل فلسطيني غمرته فرحة التوقيع المبدئي علي اتفاق المصالحة الذي طال انتظاره لأكثر من أربع سنوات، عاني خلالها الشعب الفلسطيني الجوع والمرض والفقر والحصار والبطالة والعدوان الإسرائيلي المتواصل دون أن يرف جفن له احتضن الاتفاق أخيرا ووافق علي توقيعه فالتصريحات المتناقضة والمتضادة والتراشق الإعلامي فيما بينهما كانت هي المسيطرة والغالبة، وكلما يتقدمون خطوة في اتجاه المصالحة يبتعدون مئات الخطوات بفعل المصالح الحزبية مرة، والحسابات والمصالح الداخلية والإقليمية مرات أخري، والخاسر الوحيد الشعب الفلسطيني الذي دفع ومازال يدفع فاتورة الصراع بين الفرقاء باهظا من دمائه وقوت يومه وحريته التي قوضها القائمون عليه قبل أن يقوضها الاحتلال. صحيح أن إسرائيل كانت المستفيد الأول من هذا الانقسام والخصام وفعلت كل ما تستطيع لتعميقه وترسيخه، غير أن الفلسطينيين أنفسهم ساهموا بشكل أكبر بصراعاتهم التي لا تنتهي في استمراره، وبلا شك فإن المتغيرات التي حصلت علي الساحة العربية سواء كانت نجاح ثورة 25 يناير، وما تلاها من مراجعات سياسية إقليمية، أو ما يحدث في سوريا وما لا يمكن الرهان عليه لوضعها الإقليمي في المنطقة من جهة أخري قد ساهمت وعجلت في إنجاح هذا الملف الذي كاد يصبح دربا من المستحيل. وبغض النظر عن العوامل التي ساهمت أو ساعدت في التعجيل في إنجاز هذا الملف الشائك، فإنه من ناحية يمهد لبدء عملية سياسية أوسع خصوصا في ضوء التحرك الفلسطيني إقليميا ودوليا لإعلان دولة مستقلة علي حدود عام 1967 في سبتمبر المقبل، كما يشكل واحدا من أهم المؤشرات علي جدية الحلول السياسية المطروحة، ولا نغفل في هذا الإطار الجهود المصرية التي بذلت ومازالت من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية خاصة بعد المتغير السياسي الذي طرأ علي الساحة المصرية وشجع وعجل بالاتفاق الذي لم تكن مصالح البعض في مرحلة سابقة تقتضي بتوقيعه، ورغم أن الاتفاقات والنصوص لا تمنع أي طرف من الادعاء في المستقبل بأنه ظلم، فأضعف الإيمان نريد أن نبدأ بهذه الصفحة بشيء من التفاؤل والقول إن الوطنية ومصلحة الوطن هي الأكثر قداسة وجدية لكل الأطراف نحو المستقبل، لأن الاتفاق بنصوصه الكثيرة وتفاصيله الأكثر قد يعيد عهد الاشتباكات الإعلامية والصراعات الفصائلية، لكن الفيصل في هذا الأمر أن إرادة الشعب الفلسطيني وإصراره علي عودة الجغرافيا والسياسة إلي مسارهما الصحيح هي التي ستحمي الاتفاق، والوعي الفلسطيني الذي سيحمي هذا الاتفاق من الدماء سيكون الرد الوحيد والقادر علي ردع استفراد إسرائيل بغزة من جهة والضفة الغربية من جهة أخري، كما أنها المستفيد الوحيد خلال السنوات الماضية من الانقسام، بالتغول في الاستيطان داخل الضفة الغربية ومحيطها والقدس، والفلسطينيون في الضفة وغزة هم الخاسرون من هذا الانقسام. إن الحقيقة الثابتة اليوم هي أن المتغيرات في العالم العربي، سرعت بالتوقيع علي الاتفاق، خاصة الأحداث السورية،