ابتسامات التذكار تطل علي الشفاه كلما مررت أمام مبني الحزب الوطني المطل علي النيل والذي كان من قبل ذلك مبني الاتحاد الاشتراكي. أما سبب الابتسامة أن أحدا لم يدخل إلي الغرفة الرئيسية إلا ودخل السجن من بعد ذلك، ومن لم يدخل إلي السجن ذاق مرارة الموت مع الاكتئاب الشديد. أما من قام ببناء المبني فهو الرائد صلاح الدسوقي الذي كان واحدا من مديري مكتب جمال عبدالناصر إبان توليه مسئولية وزارة الداخلية، وحين تم تعيين صلاح الدسوقي محافظا للقاهرة أقام البناء ليكون مقرا لمحافظة القاهرة، ولكن الأيام لم تسعفه فقد أطاحت بالرجل صراعات القوي علي قمة الهرم السياسي، وشاء أنور السادات مع كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة وهما من ورثا قيادة التنظيم السياسي للثورة الذي تلا هيئة التحرير، وكان اسم هذا التنظيم "الاتحاد القومي" شاء أنور السادات وكمال الدين حسين أن يجعلا من المبني مقرا للاتحاد القومي، ولكن جمال عبدالناصر أمر بأن يظل الاتحاد القومي في مكانه، أي في المبني الإداري الملحق بقصر عابدين. وما إن انحل الاتحاد القومي ومن رحمه جاء الاتحاد الاشتراكي، حتي أصر علي صبري أن يتخذ من مبني المحافظة الفارغ أيامها من أي موظف مقرا للاتحاد الاشتراكي، وجاء إلي المبني رجال من صفوة أبناء 23 يوليو، وبعض من رجال أراد جمال عبدالناصر أن يهبهم بعضا من المناصب والمكاتب كي لا يكونوا ثورة مضادة ضده. أتذكر بعميق الاحترام عبدالفتاح أبوالفضل نائب مدير المخابرات الاسبق وأحد أبطال المقاومة الشعبية ببورسعيد في أيام 1952 وأيام العدوان الثلاثي علي مصر، والذي تولي منصب أمين شئون العضوية بالاتحاد الاشتراكي وأسس خريطة اتصال عاجل بين أصغر بقعة في مصر المحروسة ومقر الاتحاد الاشتراكي: تلك الخريطة التي كان لها شبكة تهالكت عبر السنوات والتفت إليها أحمد عز فاستغلها في تزوير الانتخابات الاخيرة. أتذكر ايضا هتاف الجماهير امام المبني أيام حلم السادات: "يا سيد بك يا سيد بك كيلو اللحمة بقي بجنيه"، وكان هتاف الجماهير تنديدا بسيد مرعي الذي تولي امانة الاتحاد الاشتراكي بعد سجن علي صبري الذي كان يتولاه من قبله، أتذكر كيف كانت "عتبة" هذا البناء شؤما علي كل من دخله إلي ان تم إحراقه. ويبقي أن تعود الارض إلي المتحف، فلعنة الفراعنة فيما يبدو تطارد كل من تطأ أقدامه أبواب هذا المبني العتيد والكئيب أيضا. منير عامر