مع تكرار أحداث الفتنة الطائفية التي ترتبط في بعض الحالات بمشكلات بناء الكنائس يكثر الحديث من جانب عديد من المثقفين المسيحيين والمسلمين عن ضرورة إلغاء ما يعرف بالفرمان أو الخط الهمايوني، وتنهال عليه اللعنات.. والواقع أن الحقائق التاريخية تظهر أن هذا الخط بريء من المسئولية عن أي تعسف ضد الأقباط.. بل إن التعسف الذي يظهر أحيانا مسئول عنه قرار صدر عام 1934 أي في عهد حكومة الوفد والتي كانت أكثر الحكومات التي دافعت عن الأقباط، وفي عهد كانت للأقباط أكبر مشاركة سياسية ووطنية في مصر. فقانون الخط الهمايوني صدر في عهد حكم الدولة العثمانية وبالضبط صدر في فبراير 1856 جماد الأخري 1272. ويلاحظ أنه مهما كان ما ورد به فقد تم إلغاؤه لأسباب عديدة أهمها إلغاء الدولة العثمانية لمصر عام 1517 اعتبرت الدولة العثمانية كل من يقيم علي أرض مصر من مسلمين ومسيحيين ويهود يتبعون الدولة العثمانية واستمر هذا الوضع حتي عام 1914 كما أنه بصدور قانون الجنسية المصرية عام 1929. بعد زوال الخلافة العثمانية كان طبيعيا أن ينتهي أي أثر لهذا القانون وعلي عكس المفهوم عن عهد الدولة العثمانية والانطباع من خلال ما يقال عن الخط الهمايوني أنها كانت ضد بناء الكنائس بنيت كنائس عديدة بل إن كثيرا من الكنائس الأثرية في مصر والبلاد العربية ترجع إلي هذا العهد وأشهر مثال علي ذلك دير السلطان بفلسطين المحتلة وهذا الدير الشهير كما يقال في المثل الشعبي "الجواب بيبان من عنوانه" فهذا الدير بناه الأقباط بعد أن حصل ممثلهم علي ترخيص من السلطان العثماني جلال الدين شاه والذي رحل بالبناء ولذلك تمت تسمية الدير بدير السلطان وظل هذا الدير وحتي الآن المدخل الوحيد لدخول الحجاج المسيحيين إلي كنيسة القيامة أقدم الكنائس في العالم حتي استولي عليها الرهبان الاحباش في 25 ابريل 1970 بطرد الرهبان الاقباط أي المصريين بمعاونة وتواطؤ من الأمن الإسرائيلي وهناك قضية تطالب باسترداد الأقباط للدير ومن بين ما تستند إليه أن الاستيلاء علي الدير يعد مخالفا للفرمان العثماني الصادر من السلطان عبدالحميد خان. الخط المظلوم ** أما عن نصوص الخط الهمايوني فقد عرض لها المرحوم القس إبراهيم عبدالسيد في كتابه "شعب واحد" والصادر عن مركز يافا للدراسات والأبحاث وفيه وصف هذا الخط الهمايوني بالخط المظلوم وأنه بنظرة رجل القانون المحايد الذي يحكم بمعايير العصر الصادر فيه هذا الخط وجده يقر اسمي المبائي وأرقي الأسس التي تقوم عليها العدالة في القرن الماضي إذ اشتملت نصوصه علي: إزالة كل المعوقات أمام كل بناء أو ترميم لدور العبادة ومقار إدارة الطوائف الدينية والمستشفيات والمدافن. اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتأمين حرية ممارسة شعائر جميع المذاهب والطوائف مهما كان عدد التابعين لها قليلا. إزالة كل تمييز بين معتنقي الملل المختلفة والمساواة الكاملة بينهم وبين غيرهم من المواطنين. ومن هنا فإننا نرجو من الذين يستشهدون في أحاديثهم بالخط الهمايوني التوجه إلي دار الكتب وغيرها من المكتبات التاريخية لقراءة ما جاء بهذا الخط أو الفرمان. ** وحتي مع فرض وجود أية نصوص تحد من بناء الكنائس في العصر العثماني الذي صدر فيه الخط الهمايوني فلم يكن لها تطبيق دقيق وفي ذلك يقول الدكتور وليم سليمان قلادة وكيل مجلس الدولة السابق وهو قانوني ومؤرخ مرموق في كتابه "المسيحية والإسلام في مصر" إن لجنة طلبت من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عن عدد الكنائس القائمة في مصر وأفاد بأن عددها 1442 كنيسة ولكن بيانات وزارة الداخلية أفادت بأن عدد الكنائس المسجلة لديها 500 كنيسة (بالطبع عدد الكنائس الآن أكثر من هذا العدد بكثير) وأن هذا الخلاف يرجع إلي أن جانبا من هذه الكنائس قد أقيم قبل صدور قرار وكيل وزارة الداخلية عام 1934 أي أن الكنائس المسجلة رسميا بوزارة الداخلية وقتئذ كانت تبلغ ثلث الكنائس القائمة بالفعل مما يعني أنه قد جري العرف في مصر علي أن إقامة الشعائر الدينية لم تكن تحتاج إلي فرمان يصدر من الاستانة أو حتي من القاهرة لأي كنيسة بأي قرية في مصر مما يؤكد أن الخط الهمايوني بفرض وجود تحفظات به علي بناء الكنائس لم يكن يطبق تطبيقا صارما. ** وبخلاف هذا كله فكما يقول الدكتور وليم سليمان قلادة إن القانون يسقط بالإهمال وعدم التطبيق وذلك وفق المادة الأولي من القانون المدني وهو ما أشار إليه أيضا الدكتور ميلاد حنا في كتابه "ساسة ورهبان وراء القضبان" ولعله مما يتبين من هذا العرض أن الجو العام في العصر العثماني شاع فيه التسامح وهو ما دعا برنارد لويس إلي القول بإن فقراء أوروبا الذين يعيشون تحت اضطهاد الأمراء والاقطاعيين كانوا يفضلون علي الأرجح العيش في ظل الأتراك بدلا من