رغم التوتر الحاد الذي شاب العلاقات السياسية بين تركيا وإسرائيل في أعقاب حادث اقتحام السفينة مرمرة وقتل عدد من الأتراك، فإن العلاقات التجارية بينهما لم تتأثر. بل علي العكس فإن حجم التجارة بينهما زادت أكثر عما ذي قبل، آخر احصاءات مكتب الاحصاء الإسرائيلي المركزي يقول إن الزيادة في حجم التجارة بين إسرائيل وتركيا شملت كلا من الصادرات الإسرائيلية لتركيا بنسبة 32% والواردات الإسرائيلية من تركيا بنسبة 30%، ليصل إلي 1،8 مليار دولار خلال الشهور السبعة الأولي من العام الحالي، وحتي شهر يوليو وحده الذي اعقب الاقتحام الإسرائيلي للسفينة التركية مرمرة زادت التجارة بين إسرائيل وتركيا، وسجلت الصادرات الإسرائيلية نسبة زيادة قدرها 8،5% عن الشهر الذي سبق "يونيو". والمعني الذي تنطق به هذه الأرقام والنسب والاحصاءات هو أن كلا الطرفين إسرائيل وتركيا أبعدا علاقاتهما الاقتصادية عن تأثير التوتر السياسي الذي حدث بينهما. ومعناه أيضا أن تركيا قصرت تهديداتها لإسرائيل بخصوص مراجعة علاقاتها معها علي بعض الأمور المحددة مثل استدعاء السفير التركي من إسرائيل للتشاور، وتأجيل المناورات العسكرية المشتركة إلي أجل غير مسمي ووقف الزيارات المتبادلة، وإن كان ذلك لم يمنع الاتصالات المتبادلة. ويمكن تفسير ذلك بأن كلا الطرفين مازالا، رغم التوتر الذي شاب علاقتهما السياسية والدبلوماسية، يجدان في استمرار وتنمية علاقاتهما الاقتصادية مصلحة لهما. فالميزان التجاري بينهما يحقق فائضا لتركيا، حيث يصدر الأتراك للسوق الإسرائيلي أكثر مما يستوردونه منه. ولذلك فإن انتقال التوتر السياسي إلي المجال الاقتصادي سيكون من نتيجته خسارة تركيا هذا الفائض التجاري، والذي بلغ نحو 200 مليون دولار في سبعة أشهر، أو ربما سيكون من نتيجته خسارة تركيا صادرات قدرت بنحو المليار دولار في سبعة أشهر أما علي الجانب الآخر فإن الإسرائيليين سوف يخسرون صادرات تقدر بنحو 800 مليون دولار مما سيكون له أثره علي ميزانهم التجاري، فضلا عن أنهم سيخسرون واردات يحصلون عليها بأسعار مناسبة. ثم إن تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين يمكن أن تساعد في احتواء التوتر السياسي الذي شاب علاقاتهما مؤخرا، ويمكن أن تسهل تجاوز الخلافات السياسية بينهما وإعادة علاقاتهما السياسية إلي ما كانت عليه أو علي الأقل. لكن المعني العام الذي يمكن استخلاصه هنا أن المصالح الاقتصادية لا يمكن لأي حكومة أن تغامر بها حتي في ظل التوترات السياسية.. المصالح الاقتصادية أقوي وأكبر من أي توترات سياسية أو حتي صدامات سياسية. لقد سحب الأتراك سفيرهم من إسرائيل ولكنهم لم يسحبوا سلعهم من السوق الإسرائيلي، وامتنعوا عن استقبال قوات إسرائيلية لتشاركهم مناورات عسكرية ولكنهم لم يمتنعوا عن استقبال الصادرات الإسرائيلية إليهم ولم يمتنعوا عن استهلاك المنتجات الإسرائيلية. ولعل هذا يستوعبه العرب ويطبقونه علي أنفسهم وعلي علاقاتهم مع بعضهم البعض.. أي ينحون خلافاتهم السياسية ويبعدون تأثيرها السلبي علي علاقاتهم الاقتصادية. لو حدث ذلك لنجحنا في إقامة السوق العربية المشتركة التي مازالت حتي الآن مجرد حلم.