ذهبت إلي وزارة الداخلية في الأسبوع الماضي في زيارة لإدارة العلاقات العامة التي تعد من أفضل إدارات العلاقات العامة في مصر إعدادا وتنظيميا وخبرة. وجمعتني جلسة حوار مع مديرها اللواء حمدي عبدالكريم ومع العميد هاني عبداللطيف. والحديث تشعب وتناول العديد من الموضوعات المتعلقة برجال الداخلية ولكنه كان غالبا ما يتركز حول العلاقة بين الصحافة والشرطة، وكيف تسهم بعض الصحف والكتابات غير المنصفة في تشويه صورة رجل الشرطة واخفاء وطمس جهوده وخدماته من أجل المجتمع. وفي الواقع فإنها قضية تتعلق بالالتزام المهني والموضوعية عند الحديث عن دور الشرطة في المجتمع. فوزارة الداخلية ليست وزارة عادية، إنها قلب مصر، وهي صمام الأمان لهذا الوطن، وتتحمل ضغوطا وأعباء غير عادية لأن جميع السلبيات ونواحي القصور في الوزارات وأجهزة الخدمات الأخري إنما تقع علي عاتق الأمن المطالب بالتعامل مع الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات والمظاهرات بشكل يجمع ما بين الحزم والمحافظة علي الاستقرار ويأخذ في الوقت نفسه الابعاد الاجتماعية والإنسانية والسياسية التي تركز وتستوعب أن المشاركين في هذه الاحتجاجات أو المطالب هم من أبناء هذا الوطن وأن هذه الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات إنما هي حق مشروع للتعبير عن الرأي في إطار اللتزام بالقوانين وعدم الاضرار بالممتلكات العامة والخاصة. وهي أيضا الوزارة الوحيدة التي تتواجد في الشارع ليلا ونهارا، ولا يمكن في هذا أن نغفل التضحيات الهائلة لرجال الشرطة في سبيل مقاومة الإرهاب والتصدي للخروج علي القانون من فئات كثيرة أدمنت البلطجة وأصبحت تحاول فرض قانونها الخاصة لترويع الآمنين وابتزازهم. ونحن الذين عملنا في مجال الصحافة لعدة عقود ندرك جيدا حجم وأبعاد هذا الدور وندرك تماما أن خيرة أبناء مصر من عائلاتها الطيبة والأصيلة من ضباط الأمن والأمان لهذا الوطن، وإنهم لا يقبلون في عملهم بالمساس بكرامة مواطن أو الاعتداء علي حقوقه الإنسانية وإنهم يتحلون بروح المسئولية الاجتماعية التي تقدر تماما الظروف المعيشة والاقتصادية الصعبة لبعض الفئات والتي توجد نوعا من التوتر الدائم في المجتمع تنعكس علي زيادة معدلات جرائم العناف والتطرف. ويستحق هؤلاء الرجال التحية لأنهم لا يعرفون ولا يمارسون حياة طبيعية مثل سائر المواطنين، فهم دائما في حالة من الاستعداد الدائم لأداء الواجب في أي لحظة، وهم علي قناعة دائما بأن لحظة الاستشهاد قد تأتي في أي لحظة ماداموا في مواجهة لا تنتهي مع الشر ومع الجريمة. وبقدر تقديرنا لهم ولدورهم ولحجم ما يقومون به من تضحيات فإننا نبحث دائما عن الصورة الأفضل، عن الأمل في أن نجد هذه الصورة لدي رجال مصر في الأجهزة الأمنية المختلفة، ويكون عتابنا شديدا لمن يتسبب في تشويه هذه الصورة من داخلها ومن يحدر جهد الجميع بأعمال وتجاوزات صغيرة. وفي هذا قلنا ونكرر أن أي مهنة تضم بين صفوفها من يخطئ ويخرج عن الاجماع والسلوك العام، وليس في هذا ما يدين أو يعيب أو يقلل من قيمة وأهمية هذه المهنة، ولكن العيب في أن يتم التستر علي المخطئ وفي عدم محاسبته وفي عدم الاستفادة من وجهات نظر الآخرين وتجاربهم وملاحظاتهم. فصورة رجل الأمن في الشارع في حاجة إلي تغيير كبير، والطريقة والآلية التي تتعامل بها الأجهزة المرورية مع قضية المرور المزمنة في حاجة إلي مراجعة وتعديل، فتحصيل مخالفات السرعة أصبح أشبه بعملية الجباية والضريبة، وانحصر تركيز رجال المرور علي تحصيل مخالفات السرعة علي حساب مخالفات أكبر في الشارع تهدد سلامة المواطنين مثل سيارات النقل المحملة بالزلط الذي يتساقط في الطرق السريعة، وسيارات الميكروباصات التي تثير الهلع والرعب في الطريق وغير ذلك من مخالفات علي الطريق لا تجد رادعا ولا كمينا مروريا متحركا يلاحقها ويطمئن المواطنين بأن المخطئ سوف يجد أمامه في أي لحظة من يوقفه ويحاسبه. إن الحديث في هذا يطول ويتشعب والصورة البيضاء تتخللها الكثير من النقاط السوداء، ولكنها صورة تروي قصة مجتمع في حاجة إلي إصلاح شامل من الداخل يعيد صياغة كثير من المفاهيم والقيم التي تلاشت والتي أوجد غيابها شعورا من المرارة وفقدان الثقة واللامبالاة، جعل البعض يتصور أن القضية أمنية فقط مع أن القضية قضية أمة بأكملها في حاجة إلي خارطة جديدة لطريق أكثر وضوحا ورؤية. [email protected]