سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أصبحت تملك تاسع أكبر اقتصاد في أوروبا بمعيار القوة الشرائية المكافئة
بولندا الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي حققت نموا اقتصاديا ايجابيا خلال عام 2009
غالبا ما ينظر الأجانب إلي بولندا بأفكار مسبقة ويعتبرونها بلدا كبيرا فقيرا تقوده حكومات بطيئة الحركة وطرقه مفزعة وتسيطر علي ناسه عادات غريبة الأطوار.. ورغم أن مثل هذه الأفكار لا تتغير بسرعة إلا ان الحقائق الموجودة علي الأرض الآن ترسم لبولندا صورا مغايرة، فبالمقارنة إلي ما كان سائدا في القرون العابرة لم تكن بولندا أبدا أكثر أمنا أو غني أو حسن إدارة مما هي عليه الآن. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن بولندا كانت العضو الوحيد في منظومة بلدان الاتحاد الأوروبي الذي حقق اقتصاده معدل نمو ايجابي يناهز 1،2% خلال عام 2009 وكما يحب جاسيك روستوفسكي وزير مالية بولندا أن يقول إن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي البولندي قد زاد في 2009 من 50% ليصبح 56% من المتوسط العام لدول الاتحاد الأوروبي وهي قفزة قياسية كذلك فإن بولندا بمعيار القوة الشرائية المكافئة صارت تملك تاسع أكبر اقتصاد في أوروبا وهو أمر يرجع الفضل فيه إلي انخفاض مستوي الأسعار في الأسواق البولندية. ونظرا لأن المستثمرين الأجانب يؤمنون بما يرونه في الواقع فإنهم أقدموا دون تردد علي شراء ما قيمته 4،3 مليار دولار "3 مليارات يورو" من السندات الأوروبية التي أصدرتها الحكومة البولندية هذا الشهر "فبراير 2010" علي الرغم من كون بولندا بلدا شيوعيا سابقا وذلك في حين أن دولا محسوبة علي غرب أوروبا مثل اليونان يوشك اقتصادها علي الانهيار، والأمر المؤكد أن كرم المستثمرين قد أتاح لبولندا أن تتكيف مع عجز ميزانيتها في عام 2009 بنسبة 7% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما شجع الحكومة البولندية علي التعهد بخفض الانفاق العام خلال السنوات القليلة المقبلة لتلافي هذا العجز. ولعل جزءا كبيرا من هذا الأداء البولندي الجيد يعود إلي الخط الحسن حيث إن البنوك البولندية المحافظة لم تسرف فيما تقدمه من قروض بالعملة الأجنبية وهو الإسراف الذي كانت له آثار كارثية في كل من لاتفيا والمجر، كذلك فإن سوقها الداخلي الكبير قد دعم الطلب، وأكثر من ذلك فإن بولندا استفادت من الآثار الخارجية عابرة الحدود للحافز الاقتصادي الألماني وفوق هذا وذاك استفادت بولندا من قيادتها السياسية الرشيدة والمستقرة حيث تقودها حكومة تنتمي إلي يمين الوسط وذات أغلبية مريحة في البرلمان وهو أمر نادر في الاتحاد الأوروبي ولا مثيل له في كل البلدان الشيوعية السابقة في شرق أوروبا. ومع ذلك فإن هناك كثيرين ينتقدون حذر الحكومة البولندية كما أن الصحف والميديا المتزمتة دينيا وأخلاقيا تهاجمها علي سماحها بممارسة القمار أضف إلي ذلك وجود بعض المشاكل المزمنة التي لم يتم حلها بعد مثل انخفاض معدل الانخراط في قوة العمل البولندية وتدني بعض الخدمات العامة وهو ما دفع نحو مليوني بولندي للهجرة إلي الخارج بحثا عن فرض العمل، ولكن حاضر بولندا يظل أفضل من ماضيها وأفضل من حال باقي أوروبا في اللحظة الراهنة، فالحكومة تمكنت من اجراء إصلاح جيد وإن يكن جزئيا في المشاكل الأكثر سوءا مثل نظام المعاشات، كما أنها بدأت التخطيط لتحديث الطرق والسكك الحديدية حيث يتم إقامة ألفي كيلو متر من الطرق السريعة مع حلول عام 2012 وهو الموعد الذي ستتقاسم فيه بولندا وأوكرانيا استضافة نهائيات بطولة أوروبا لكرة القدم. وفوق ما تقدم فقد أنجزت الحكومة الكثير من الاصلاحات في البيروقراطية الحكومية التي كانت تتميز بمناوأة الاستثمارات الخاصة محلية كانت أم أجنبية وكشفت دراسة أجراها البنك الدولي أخيرا علي 183 دولة أن بولندا لاتزال في المركز رقم 151 من حيث ملاءمة نظامها الضريبي للاستثمارات الجديدة ولكن الحكومة تسعي لإصلاح البيئة الضريبية باستخدام الإنترنت في تسريع إجراءات القيد والمحاسبة الضرائبية، وتم إصدار قوانين جديدة لتحرير سوق المساكن تسمح بالإيجارات قصيرة الأجل، وهذا سيمكن القوة العاملة البولندية من التنقل في مختلف أرجاء البلاد بحثا عن فرص العمل بدلا من الهجرة إلي الخارج حيث إنه صار من المفارقات الزائفة أن سفر البولندي إلي لندن بالطائرة أسهل من سفره إلي أي مدينة بولندية داخلية بسبب سواء حالة الطرق. ولا شك أن أحد الإصلاحات ذات القيمة الرمزية والعملية في آن واحد هو أن المواطن البولندي صار يقدم بياناته في التعامل مع الحكومة من دون الحاجة إلي ضمانات روتينية معقدة ومضيعة للوقت والجهد، ويقول وزير مالية بولندا إن الدولة صارت تفترض أن المواطن صادق في بياناته إلي أن يثبت العكس في حين أن النظم السابقة كانت تضع المواطن دائما في موضع الشك، وحتي في مجال السياسة الخارجية أصبحت بولندا حريصة علي الصداقة مع جيرانها ومع دول العالم الأخري إلي حد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد اختار بولندا لنشر نظام دفاعي مضاد للصواريخ علي أراضيها وينتظر أن تصلها في مارس القادم أول دفعة من صواريخ باتريوت التي تدخل ضمن هذا النظام، أما ألمانيا فإنها تسعي لجعل علاقاتها مع بولندا في نفس مستوي قوة العلاقات الألمانية الفرنسية وكانت وارسو هي أول عاصمة يزورها وزير الخارجية الألماني الجديد جويدو ويسترويلي، كذلك تحسنت علاقات بولندا كثيرا مع روسيا، وينتظر أن تتخلص بولندا في الانتخابات الرئاسية القادمة من رئيسها الحالي المثير للجدل وأن يحل محله رئيس الوزراء الحالي دونالد توسك باعتباره أكثر السياسيين شعبية في بولندا كما انه متفتح حصل علي شهاداته العليا من جامعة أوكسفورد كما أن زوجته أمريكية وسبق لها أيضا العمل في أحد معاهد الأبحاث الأمريكية بواشنطن وهو بهذه المواصفات سيكون قادرا علي أن يمحو من أذهان الأجانب كثير من أفكارهم المسبقة عن بولندا.