رغم أن رئيس كوريا الشمالية كيم يونج ايل قد فعل كل ما يمكنه لكي يمنع اتساع أنشطة السوق الحرة في بلده الشيوعي خلال السنوات الأربع الأخيرة فإن جهوده لم تحقق النجاح الذي كان يرجوه، فبعد أن كانت العناصر الرأسمالية تتهم بالانشقاق السياسي صارت "الجرائم الاقتصادية" هي التهم الجاهزة لمطاردتهم في الوقت الراهن.. وفي عام 1999 كان عدد الجرائم الاقتصادية المدرجة في القانون الكوري الشمالي لا يتجاوز ثمانية صارت 75 جريمة مع حلول عام 2004 أما في عام 2007 فقد صدر قانون يتيح الحكم بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات لكل من أدار مطعما أو متجرا أو حتي بنسيون خاص ولكن يبدو أن الناس كما تقول مجلة "نيورويك" لم تعد تخاف رغم ما تتعرض له أنشطتهم الخاصة من مطاردة ومنع، وأن القيود المحكمة التي فرضها النظام العائلي الصارم الحاكم علي الشعب وعلي الحدود في كوريا الشمالية قد بدأت تتهاوي. وتقول دراسة حديثة أصدرها خبيرا الاقتصاد السياسي ماركوس نولاند وستيفان هاجارد أن نسبة الكوريين الشماليين الذين يعتقدون أن الانخراط في الأعمال الخاصة هو أفضل طريق بلغت ولا تزال ثابتة بإطراد 68% علي الرغم من اشتداد مطاردات النظام الحاكم، كما أن هناك شريحة متنامية من ابناء كوريا تري أن ممارسة التجارة الخاصة صارت أسهل عليهم عن ذي قبل، والأمر اللافت للنظر كما يقول هذين الباحثين هو تزايد اعتماد أرباب الأسر علي دخلهم من التجارة الخاصة وأكثر من ذلك فإن نصف الكوريين الشماليين صاروا يعتمدون كليا في كسب دخولهم علي القطاع الخاص بعد أن كانت هذه النسبة 43% منذ عشر سنوات فقط. ويذكر نولاند أنه حتي النخب الكورية الشمالية قد وسعت نشاطها الخاص خارج الاقتصاد الرسمي وأن ذلك يتم عن طريق التجارة مع جارتهم الكبري الصين حيث قامت وأزدهرت مئات الشركات العابرة للحدود بين البلدين منذ عام 2002 حتي الآن ويضيف نولاند أن عدد العاملين في القطاع الخاص غير الرسمي يتزايد ويضيف الرجل الذي يشغل منصب نائب مدير معهد بترسون للاقتصادات الدولية بواشنطن أن بعض من يعملون في القطاع الخاص من أصحاب الشهادات كما أن بعضهم من الفلاحين بما يعني أن كل الفئات صارت تهتم بالعمل الخاص وتدعم الاقتصاد غير الرسمي وتساعده علي الأزدهار. وتجدر الاشارة إلي أن الرئيس كيم كان قد حاول تجربة الخلاص من طريقة تبني فكرة اقتصاد السوق في تسعينيات القرن الماضي عندما انكمش اقتصاد كوريا الشمالية وضربت شعبها كوارث المجاعات والجفاف، وقام كيم بزيارة الصين ثلاث مرات ليعرف المزيد عن أسلوب بكين في عقد قران نظام شيوعي من أعلاه إلي أدناه علي اصلاحات اقتصاد السوق، وفي عام 2001 وقف كيم بنفسه في قلب بورصة شنغهاي وشرح لجنرالاته الذين كانوا يرافقونه أسلوب عمل البورصة، وفي عام 2002 جري تخفيف القيود علي حركة الأسعار وإقرار حوافز المشاركة في الأرباح كإشارة لاحتمال التحول إلي اقتصاد السوق كما جري السماح بقيام أسواق خاصة للتجارة في سلع أخري غير مجرد السلع الغذائية وكانت فكرته هي السماح لقوي السوق الحرة بمساحة عمل أوسع في الداخل من دون الانفتاح علي قوي السوق الحرة دوليا وهو الانفتاح الذي غير الصين جذريا. ومضي الأمر علي هذا النحو حيث بقيت بيونج يانج ممنوعة من استقبال أسراب رجال الأعمال الغربيين ولم تسمح إلا بقيام مطعم واحد للوجبات السريعة حرمت عليه ذكر كلمة "بيرجر" باعتبارها كلمة ذات مدلول أمريكي، وواقع الأمر أن انهيار اقتصاد الأوامر الكوري الشمالي في تسعينيات القرن الماضي وبدايات القرن الحادي والعشرين قد دفع قطاع عريض من ابناء الطبقة المتوسطة الكورية إلي محاولة التكسب عن طريق التجارة مع الأجانب ضاربين بالتنظيمات الحكومية في هذا الشأن عرض الحائط، وفي هذا السياق قام مديرون في الشركات الحكومية بإقامة مشروعات مشتركة من الباطن مع شركات أجنبية وأستولوا علي الأرباح لأنفسهم بدلا من إدخالها في ميزانيات شركاتهم، وقام المهربون عبر الحدود بجلب السلع الأجنبية حتي المحرم منها مثل الراديوهات، وقام البدالون والتجار برشوة السلطات البلدية للسماح لهم ببيع هذه السلع المهربة في شوارع بيونج يانج وغيرها من المدن القريبة، وبمرور الوقت تضخمت هذه التجارة الممنوعة أصلا وخرج الأمر عن السيطرة، وفيما بين عام 2000 وعام 2007 صار حجم التجارة الرسمية مع الأجانب 5،1 مليار دولار بزيادة 61مليارا خلال تلك الفترة وتركزت هذه التجارة الرسمية في تصدير المعادن، وبأموال المديرين الذين كانوا يتربحون من تلك التجارة الرسمية كان يجري تمويل التجارة في السوق غير الرسمية التي شملت كل أنواع السلع.