لأني أكاد أن أكون واحدا ممن انتخبوا باراك أوباما، فقد كنت شاهدا حيا في إحدي لجان الانتخاب بقرية "شرفة الأقصر" بولاية فيرجينيا، وأصر صديقي د.فؤاد بشاي ميخائيل مؤسس تلك القرية وبانيها، وهو من اختار سكانها من الأطباء وأساتذة الجامعات وكبار المزارعين، وأصر أثناء زيارتي له أن أصحبه إلي مركز الاقتراع في ولاية هي طوال حياتها جمهورية، وليست ديمقراطية، إلا أنها في ذلك النهار النوفمبري من العام الماضي كانت كلها ديمقراطية، بمعني أن أغلب الأصوات كانت تصر علي انتخاب باراك حسين أوباما ، ولأن الأمر كذلك تعجبت من مرجيحة التصريحات التي يقولها أوباما عن الدولة الفلسطينية والاستيطان، ثم تنقضها هيلاري كلينتون في تل أبيب، لتعود مرة أخري لتقول عكسها في المغرب، ثم تؤكد في القاهرة علي أن الولاياتالمتحدة لم تغير رأيها في مسألة الدولتين، ثم نجد من بعد ذلك تصريحا يخص تهديد إيران بوضع مهلة زمنية محددة لتجيب علي طلب الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدة بشأن قبول التخصيب خارج إيران. ولكن لا توجد مدة محددة للتفاوض الذي تدعو إليه الولاياتالمتحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكأن البيت الأبيض ليس هو بيت إدارة الكون، كما كان وكما هو متوقع، ولكنه قصر حكم من العالم الثالث ، يقول رئيسه شيئا ولكن عند التطبيق نجد العكس هو ما حدث بالضبط . ولأن الولاياتالمتحدة مازالت هي القوة العظمي، إلا أنها لا تلحظ ما تفعله سياساتها المتقلبة بنا وبنفسها ، فهي التي تقوي التطرف وتزرعه وتوزعه علي أقطار العالم العربي، والمسلم كلما تمادت في عدم ردع إسرائيل، فلم تكن طالبان لتحكم وتتسرب إلي باكستان إلا للتهاون الأمريكي في موضوع القدس. ولم يكن لبن لادن نفسه استمرارية وجود حتي ولو كان مختبئا إلا لأن حدود 1967 لم تعد للفلسطينيين، ولولا تراخي الولاياتالمتحدة في الموضوع الفلسطيني لما استطاعت إيران أن تهدد الخليج بعد أن كادت تبتلع العراق رغم أن من هد معبد صدام حسين علي رءوس العراقيين كانوا من الجنود الأمريكيين، وأعطت الولاياتالمتحدة الفرصة للتطرف باسم المذاهب أن يغوص ويزحف حتي كاد أن يلتهم بغداد، وهاهو يغوص ويزحف ويهدد أمن اليمن، ويحاول اثارة القلاقل علي الحدود السعودية . ولعل دول الاعتدال العربية التي سبق وشرحت الموقف كاملا لكل الإدارات الأمريكية المتلاحقة، لعل هذه الدول تنفست بقليل من الراحة عندما خطب أوباما في جامعة القاهرة، وتوقعنا أن تكون ساعة المواجهة والحسم بين إسرائيل والولاياتالمتحدة قد حانت. وطبعا لا يمكن أن نصدق عجز الولاياتالمتحدة عن الحسم مع إسرائيل، لأن الولاياتالمتحدة هي من شاءت ومازالت مصرة علي أن تكون القلعة الإسرائيلية مدججة بكل الأسلحة التي تجعلها قادرة علي مواجهة الدول العربية. فكفة تسليح الولاياتالمتحدة لإسرائيل تجعل المواجهة بين الجيش السوري مثلا وبين إسرائيل في صالح إسرائيل، وعبث الولاياتالمتحدة في العراق أخرج بغداد من الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن "الإرهاب" و"التطرف " تقوي شبكته من باكستان إلي شمال أفريقيا. وتخلق الولاياتالمتحدة مناخا مسموما لنمو الاعتدال واتساع آفاقه. ولذلك يلوح في الضمير العربي سؤالا "هل أوباما حاكم من العالم الثالث يقول شيئا وتلعب إدارته بعيدا عن توجهاته"؟ أكتب هذا لأن القتال في الصومال يرفع شعار تحرير القدس بين أناس لا يجدون طعامهم، والقتال في اليمن يرفع نفس الشعار وهو يهدد دولة مهما قيل عن تخلفها فقد كانت لسنوات مستقرة. والقتال طبعا في أفغانستان يرفع نفس الشعار. وكل ذلك لأن المدللة إسرائيل لا تجد حسما من إدارة أمريكية تصحو لمصالحها بدلا من حالة الرعب التي تبيعها إسرائيل لها.