نفذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس تهديده بإعلان الرابع والعشرين من يناير المقبل تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعة وذلك بعد فشل التوقيع علي اتفاق المصالحة الذي كان متفقا عليه في نهاية هذا الشهر. وأشار المرسوم الرئاسي الذي اصدره الرئيس عباس زوبعة سياسية كبيرة وردود فعل متباينة، فيما تركز هجوم حركة حماس علي شخص الرئيس فجاء أقسي الاوصاف من نائب رئيس المجلس التشريعي، القيادي في حركة حماس أحمد بحر الذي وصفه بأنه فاقد "الصفة القانونية والوطنية" فيما تراوحت بقية ردود الأفعال بين مرحب متحفظ ورافض تماما ورغم أن حركة حماس هي التي بدأت بالمماطلة في توقيع الاتفاق، وهي التي جعلت صبر القاهرة ينفد فأعلنت أنها هي المسئولة عن التعطيل لمراوغتها علي التوقيع، غير أن مرسوم عباس وعزمه علي تنظيم الانتخابات دون توافق وطني اعتبرته حماس إعلانا انفصاليا عن عباس لتكريس الانقسام الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة. وكالت حماس علي عباس كماً هائلاً من الاتهامات، مؤكدة أن الرجل بات يمهد لمؤامرة مكشوفة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة وحدها لتكرس الفصل بين شقي الوطن، وتحذر حماس فيما لو أصر عباس علي إجراء الانتخابات بكشف نياته المبيتة متهمة اياه بأنه يفرض علي الشعب الفلسطيني أوامر الجنرال الأمريكي "كيث دايتون". لقد لجأ عباس إلي تحديد موعد الانتخابات في الرابع والعشرين من يناير المقبل تطبيقا للقانون الأساسي للسلطة الذي ينص علي ضرورة أن يعلن الرئيس موعد الانتخابات قبل ثلاثة أشهر، علما بأن فترة ولاية المجلس التشريعي وفترة ولاية الرئيس تنتهيان معاً في ذات التاريخ.. نصت الورقة المصرية علي تأجيل الانتخابات لمدة ستة أشهر أي في الرابع والعشرين من يونية المقبل استجابة لطلب حماس، غير أن إقدام الرئيس الفلسطيني علي تحديد موعد الانتخابات جاء وسيلة للضغط علي حماس رغم نفي السلطة لذلك ومن المحتمل ألا يتم إجراؤها بعد ثلاثة أشهر في موعدها المحدد وذلك بسبب رفض حماس السماح باجرائها في قطاع غزة الواقع تحت سيطرتها، لذا لم يتضح حتي الآن كيف ستجري الانتخابات في ظل رفض حماس التي تسيطر علي قطاع غزة، وان كانت حركة فتح والسلطة الفلسطينية تعتبر هذا المرسوم بإجراء الانتخابات قبل المصالحة هو اجراء قانوني احترازي لا يشكل نعيا للمصالحة التي ترعاها مصر، فإن فتح تدرس الآن طرق إجراء الانتخابات في ظل منعها من قبل حماس في غزة دون أن تكشف عنها، وربما تكون لجنة الانتخابات المركزية هي من ستقرر ذلك، ومن هنا سيبقي خط رجعة لفتح ومن خلالها سيتم اعلان أنه يمكن اجراء الانتخابات أم لا وفي هذه الأثناء تنتظر فتح الجهود المصرية والعربية لتحقيق المصالحة، فإذا ما تكللت بالنجاح خلال الثلاثة أشهر القادمة فإن الرئيس أبومازن سيحدد موعداً آخر للانتخابات، وإلا فإنه سيمضي قدما بالانتخابات إذا ما أخفقت جميع المحاولات للمصالحة. إن أمام فتح ثلاثة خيارات في غياب المصالحة وهي: إجراء الانتخابات بدون غزة وفق النظام النسبي الكامل باعتبار الوطن دائرة واحدة ومن يصوت يمثل الجميع، والثاني إجراؤها علي مرحلتين، والثالث أن يصدر أبومازن مرسوماً يعلن فيه تعذر إجراء الانتخابات وهذه ستقررها لجنة الانتخابات، لكنها تحتاج إلي قرار من المجلس المركزي بتحديد ولاية أبومازن التي تنتهي في يناير المقبل. إن الهجوم الذي تشنه حركة حماس علي الرئيس عباس من إعلانه عن موعد الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية يأتي من منطلق لي اليد بعد رفضها الورقة المصرية دون أن تبحث فيها، وهي من جانبها لم تعتبر أن الخط بينها وبين مصر قد انقطع رفضها التوقيع علي اتفاق المصالحة في الموعد الذي حددته القاهرة، بل مازالت تسعي في تجاه التحاور مع المصريين ولكن علي طريقتها وبشروطها، ومن هنا جاء قرار السلطة بالإعلان عن الانتخابات خاصة وأنها تعتبر ملاحظات حماس علي الورقة المصرية ليست ثانوية بقدر ما أنها تطيح بالقانون الأساسي وبالرئيس وصلاحياته وبالانتخابات والأمن. ان الخلافات التي تبررها حماس تنصب بشكل أساسي علي موضوع الانتخابات والأمن، وحماس تريد أن تسلب الرئيس عباس أي صلاحية أو دور في موضوع الانتخابات وتريد أن يصبح لديها فيتو علي كل ما يتعلق بالانتخابات سواء لجنة الانتخابات أو المحكمة الانتخابية أو حتي أي عضو في اللجنة لا يعجبهم، وهذا يتعارض مع القانون والنظام السياسي. لقد وجد عباس نفسه في ضوء هذه الظروف مضطرا لإصدار مرسوم حسب القانون قبل الخامس والعشرين من أكتوبر الحالي يدعو فيه لإجراء انتخابات في الخامس والعشرين من يناير المقبل أي قبل مائة يوم من موعد الانتخابات، لكن لا يعني صدور القرار أن تنظيم الانتخابات في موعدها فعلا، ورغم أن تيارات في فتح تؤيد ذلك وتدعو لإجرائها وفق النظام النسبي الكامل، فإن قيادة الحركة تفضل أن تنتظر اتفاقا مع حماس خلال الأشهر الثلاثة الحالية يصدر بعدها عباس مرسوما آخر بإجراء الانتخابات في موعد جديد أما إذا لم تتم المصالحة فسيصدر مرسوما يعلن فيه تعذر إجرائها، وتظل جميع الخيارات، مفتوحة!