نحن - العرب - ناس بتوع كلام.. ونحن أمهر من يتحدث في الكلام الفاضي وفي المليان..! العمر كله ضاع في الخطب الرنانة.. وكلنا شعراء.. نلقيه ولا نفهمه، ويعجبنا فيه السجع وموسيقي الكلمات.. إلي متي سنظل كذلك..؟! فمثلا انظروا آخر اختراعات الكلام الذي قاله الدكتور سلام فياض في خطاب غير عادي له سبقته حملة دعائية كبيرة، يقول رئيس وزراء حكومة السلطة الفلسطينية إلي الشعب الإسرائيلي: "يا جيراننا الإسرائيليين، لديكم تاريخ وهموم وآمال ومتطلبات، ولنا أيضا تاريخ ولدينا الكثير من الهموم، ولكن لنا تطلع واحد للعيش بحرية وكرامة في وطن لنا، واننا نتطلع لإقامة دولتنا إلي جانب دولتكم علي أساس حسن الجوار، وعبر سلام ذي معني، نحن لا نريد أن نقيم الجدران، بل أن نمد الجسور، نريد أن نعيش وإياكم علي قاعدة الاحترام والمنفعة في الاقتصاد والأمن والاستقرار، وفي سبيل ذلك فنحن علي وشك دخول المراحل الأخيرة لانجاز الدولة الفلسطينية بما يسهم في تحقيق الأمن لشعبنا، ولابد لنا من انهاء قضايا الحل النهائي كافة". بعد ذلك دعا فياض الفلسطينيين إلي "التوحد والالتفاف حول مشروع إقامة الدولة، وبناء وترسيخ وتقوية مؤسساتها في إطار الحكم الرشيد والإدارة الفعالة لكي تصبح الدولة الفلسطينية بحلول نهاية العام القادم وكحد أقصي خلال عامين حقيقة قائمة وراسخة". من المفيد ابتداء التوقف عند دلالة قيام رئيس حكومة تصريف أعمال، نعم هذا هو اسمها الأصلي، بإلقاء خطاب من هذا النوع يحدد أسس حراك الشعب الفلسطيني وعلاقته مع عدوه خلال المرحلة المقبلة، مع العلم أن المجموعة التي ينتمي اليها "قائمة الطريق الثالث" هي قائمة انتخابية وليست فصيلا مناضلا، حصتها عضوان في المجلس التشريعي. "فياض وحنان عشراوي".. هي دلالة لا تخفي علي العارفين: خلاصتها أن الرجل قد أصبح رقما صعبا في المعادلة الفلسطينية بعدما سيطر عمليا علي جهازي المال والأمن في السلطة "الثاني تحت سيطرة الجنرال دايتون دون تناقض مع فياض"، مع العلم أن مصدر المال واحد للجهازين في حكومة يشكل المال أكسير الحياة بالنسبة اليها. ثمة مصدر آخر لقوة الرجل يتأتي من التفويض الذي يأتيه من الرئيس الذي لا يؤمن عمليا لا بالتنظيم ولا بالجماهير، وان بقي في حاجة اليهما خلال المرحلة المقبلة، وفي حال تم المطلوب باستدراج حماس إلي انتخابات مبرمجة لهزيمتها بصرف النظر عن النسب، وعادت الشرعية إلي وضعها القديم لتحولت حركة فتح بشكل كامل ومعلن إلي حزب سلطة تحت ولاية الفريق الذي يتحكم بالمال والأمن، تماما كما هو حال الجمهوريات العربية التي تعتمد نظام الحزب الحاكم. في سياق الخطاب الذي ألقاه فياض، ظهرت تلك اللغة الحميمية في الحديث إلي الإسرائيليين، ومحاولة استمالتهم بالحديث عن روايتهم للصراع مقابل الرواية الفلسطينية، فضلا عن التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والمنافع، لكن الأهم هو مشروع المستقبل الفلسطيني ممثلا في الدولة التي عليهم التوحد لبنائها، والتي ستقوم في العام القادم، أو خلال عامين في أبعد تقدير. هنا نتذكر أمرين، الأول خطاب نتنياهو الذي رسم صورة متكاملة للدولة العتيدة صارت معروفة للجميع "حكم ذاتي علي أجزاء من الضفة الغربية بمسمي دولة من دون القدس ولا عودة اللاجئين"، والثاني كلام الجنرال دايتون حول كتائب الأمن العشر التي ستكون جاهزة خلال عامين لبسط الأمن في سائر مناطق الفلسطينيين في الضفة علي قاعدة "الفلسطيني الجديد". هكذا يظهر لنا أن الدولة التي ستقوم هي ذاتها القائمة حاليا، مع فارق أنها ستفتح أكثر علي الاستثمارات وتعمل علي تحريك الاقتصاد، فيما سيكون الجنرال دايتون قد استكمل تدريب الكتائب السبع المتبقية، والكافية لحفظ الأمن الفلسطيني والإسرائيلي في آن واحد وبما يسمح بخروج الجيش الإسرائيلي نهائيا من مناطق "أ" و"ب"، طبقا لتصنيفات أوسلو، أي مناطق التجمعات السكانية الفلسطينية. بذلك تكون أركان الدولة العتيدة قد اكتملت، فإذا تم التفاهم مع الإسرائيليين علي قضايا ما يسمي الحل النهائي "وقع التفاهم علي جزء مهم منها عمليا، بشطب اللاجئين والابقاء علي الكتل الاستيطانية تحت بند تبادل الأراضي"، إذا تم ذلك، فبها ونعمت، وإلا فهي قائمة علي أية حال، لكنها تعيش نزاعا حدوديا مع جارتها تترك تفاصيله لطاولة المفاوضات، أليس هذا هو السلام الاقتصادي الذي تحدث عنه نتنياهو؟!.