قبل عدة سنوات تعرض خالد المالك رئيس تحرير صحيفة "الجزيرة" السعودية للإقالة بعد أن نشر قصيدة لغازي القصيبي الشاعر المعروف الذي كان وزيرا في ذلك الوقت لأن القصيدة تحدثت علي الوشاة الذين يقفون بين الوزير والملك..! وقبل عدة أيام تكرر موقف الإقالة مع رئيس تحرير سعودي آخر هو جمال خاشقجي رئيس تحرير صحيفة "الوطن" لأنه تجرأ ونشر مقالا انتقد فيه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمقال أغضب وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز لأنه طرح تساؤلات حساسة ومحرجة عن سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وصحيح أن هذه ليست المرة الأولي التي يتم فيها إقالة جمال خاشقجي فقد تمت إقالته من قبل عام 2003 بسبب مقال انتقد فيه أحد كبار العلماء، ولكن هذه المرة فإن الوضع يختلف، إذ أنه من المفترض أن هناك مساحة أكبر لحرية التعبير تتزايد في وسائل الإعلام السعودية وأن كثيرا من ثوابت الماضي تشهد تغييرا ونهاية، وهذا ما يبدو أن جمال خاشقجي قد أعتقده..! وقد يكون صحيحا أن مساحة حرية التعبير قد تضاعفت، وأن هامش الانتقادات ضد الحكومة قد تزايد بشكل ملحوظ إلا أن هناك بعض الجهات لا يمكن حتي الآن المساس بها أو التعرض لها ومنها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعتبر في حقيقة الأمر جهازا أمنيا دينيا يقوم بترسيخ الأوضاع الاجتماعية الحالية ويقف حائلا دون تنامي الأفكار الليبرالية ودعوات الديمقراطية وحقوق المرأة وهو ما يجعل من هذا الجهاز شكلا مكملا للأداء والنظام القائم وحائطا للصد ضد من يتحدثون عن التغيير. ونحن نتعاطف مع رئيس التحرير الذي أقيل لأننا نرفض فكرة أو مبدأ أن يكون البعض فوق أي انتقاد، ونؤمن بأن حرية التعبير تعني طرح كل القضايا بلا حساسيات أو قيود أو محظورات، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست فوق النقد، فالأسلوب الذي تمارس به عملها يدعو للمراجعة، والعديد من العاملين بهذه الهيئة لا يصلحون لأداء رسالة دينية.. ولا ينبغي السماح لأي هيئة أو جماعة أن تكون سلطة مستقلة داخل الدولة.. وإقالة رئس تحرير لن تغلق باب الحوار، بل ستؤدي إلي أن يفتح ومن أوسع الأبواب..!! [email protected]