تواجه بريطانيا أزمة مالية طاحنة جعلتها في حالة وصفها المستشار البريطاني "أليستير دارلينج" بأنها تعيش مرحلة الأسواق الناشئة حيث تشهد بريطانيا أزمة مصرفية عميقة الركود لم تتحسن حتي الآن، وأوضح "دارلينج" أن زيادة الإنفاق الحكومي هو الحل لمواجهة تلك التحديات ولكنه يتساءل ما فائدة فتح صنبور المياه في ظل عدم وجود الماء؟! ووصل عجز الميزانية في بريطانيا العام الماضي إلي "6.2%" من إجمالي الناتج المحلي، ومن المتوقع أن تتضاعف تلك النسبة تقريباً هذا العام لتصل إلي "12.4%" ويعتبر هذا أعلي مستوي في تدني الاقتصاد البريطاني بين أقرانه حيث إن هذا العجز تفوق نسبته تقريباً ثلاثة أضعاف نسب العجز في كل من الأرجنتين وإندونيسيا. ويري خبراء بريطانيون أن الحكومة تمتلك التحدي الأكبر لتفادي تلك الأزمة الخاصة بها بغض النظر عن الأزمة العالمية التي تعيشها الدول المتقدمة بالإضافة إلي مشاركة المستثمرين وتشجيعهم علي الاستثمار وإزاحة الخوف جانباً حتي تتمكن الدولة من تقوية هيكل المالية العامة وإمكانية تحصيل الضرائب لأن وراء كل استثمار ناجح حصيلة ضرائب تأخذها الدولة. ويوضح "دارلينج" أن عجز الموازنة قد يبدأ في الانكماش عام "2011" ومن المتوقع أن تصل نسبة العجز إلي "5.5%" ولكن هذا في عام "2013" وتشمل النسبة السابقة صافي الديون وجميع التكاليف المصرفية، وتوقع أيضا أن تصل نسبة نمو الاقتصاد العام المقبل إلي "1.2%" و"3.5%" العام بعد القادم، مشيراً إلي أن بلاده تشهد ركوداً اقتصادياً لم يحدث منذ "80" عاماً. وصرح خبير اقتصادي بريطاني ل"الفاينانشيال تايمز" أن بلاده تشهد بطئاً نسبيا في معدلات نمو الإنتاج بالإضافة إلي تآكل تميزها العلمي والهندسي الأمر الذي جعل أداء الاقتصاد سيئاً عكس اتجاهه خلال ال"15" عاما الماضية. وأشار إلي أن اقتصاد بريطانيا أوشك علي الدخول في تراجع لا يقل حدة عن تراجع اقتصاد أمريكا إن لم يكن اسوأ منه بسبب كون القطاع المالي يشكل حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلي التدهور الذي حدث في سوق الإسكان، وكشف أن أسعار العقارات في بريطانيا تزيد بنحو "30%" عن قيمتها الحقيقية. ويستطرد الخبير الاقتصادي قائلا: إن القطاع المالي في بريطانيا مازالت الأزمة المالية تتوغل فيه من قطاع إلي آخر متأثراً بأزمة الائتمان العالمية، حيث إن العجز في عملية الائتمان يمثل مخاطر عالية علي الاستقرار المالي موضحاً أن لندن أصبحت سوقاً لعجز الائتمان الأوروبي وهذا العجز قد يؤدي إلي تشدد البنوك في تقديم الخدمات المصرفية لديها مثل القروض أو خدمات المعاش وهذا كله يحجم من عمليات ازدهار البنوك. وتفسر الصحيفة البريطانية تركيز الخبراء علي القطاع المالي قائلة: إن هذا القطاع في بريطانيا هو المساهم الأكبر في ميزان المدفوعات وهو الآن يتراجع في وقت غير مناسب حيث تعاني بريطانيا من عجز في الحساب الجاري تبلغ نسبته "6.2%" من إجمالي ناتجها المحلي ولإعادة ذلك العجز إلي مستوي مناسب يتطلب ذلك تراجعاً كبيرآً في الاستهلاك وزيادة المدخرات ولكن يصعب ذلك في ظل حالة الركود التي يشهدها قطاع الصناعة في تلك الدولة. وتتساءل أيضا هل من الممكن تدخل البنك المركزي البريطاني لإنهاء تلك التدهورات من خلال تخفيض أسعار الفائدة؟ الإجابة الطبيعية "لا" لأن الأزمة الحالية ليست نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة، إنما المستقبل للتضخم وهو الحل الأمثل أمام البنك المركزي حيث من المحتمل أن يشتمل التضخم علي تخفيض ضئيل في أسعار الفائدة قد يكون بواقع "ربع %" لكن ذلك من الصعب أن يقتنع به المستثمرون، وقد طرحت الصحيفة أيضا منذ فترة قريبة "التضخم" كوسيلة لعلاج أمراض النظام المالي لكنها أثارت جدلاً بين خبراء الاقتصاد والمصارف، ولكن الاتجاهات الاقتصادية الحالية ستكون عرضة للتغيرات خلال الشهور المقبلة وإن كانت بريطانيا ستخفف من الاعتماد علي قطاع الإسكان والخدمات المالية التي كانت منذ وقت قريب مصدر القوة الكبري لها.