في الطابق الأول في مستشفي وادي النيل بكوبري القبة يرقد كاتبنا الكبير عميد الصحافة المصرية الأستاذ محسن محمد ليستكمل علاجه بعد أن تعرض لحادث أثناء أدائه مراسم فريضة الحج بالمملكة العربية السعودية حيث أجريت له هناك جراحة عاجلة في العظام. ومحسن محمد الذي لم ينل ما يستحقه من تكريم علي المستوي الرسمي يمثل علامة مضيئة في تاريخ الصحافة المصرية حيث أدت أفكاره الجريئة الي إحداث تغيير كبير في شكل واتجاه الصحافة اليومية من أجل خدمة القراء والتعايش معهم وتبني قضاياهم وآرائهم. والذين عملوا مع محسن محمد أو تتلمذوا علي يديه لم يجدوا فيه إلا نوعا من التواضع والبساطة والتفاني في العمل لأقصي درجة كما لم يلمسوا فيه سعيا وراء الشهرة أو المال علي حساب المهنة وكرامتها ورسالتها. وبالنسبة لي فإن محسن محمد يمثل القيمة والرمز والمعني في حياتي الصحفية والمهنية. وعندما تعرفت بالأستاذ الكبير في منتصف السبعينيات كان تعارفا صاخبا علي إثر وشاية من أحد زملاء المهنة قرر علي إثرها الأستاذ الاستغناء عن خدماتي حيث كنت في مرحلة التمرين ومنعني من دخول دار "الجمهورية". واستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يدرك محسن محمد انها وشاية ناجمة عن صراع الأجيال في الصحافة ولا علاقة لها بالعمل أو بالأداء لتنقل علاقتنا بعد ذلك إلي مرحلة أخري من علاقة الأستاذ بالتلميذ التي تصل وتتطور إلي علاقة الأب بالابن وخوفه عليه.. وسافرت بعد ذلك إلي الخارج سنوات وسنوات من بلد لآخر.. وفي كل هذه السنوات لم تنقطع صلتي بالأستاذ الذي كان دائم السؤال والاطمئنان ولا يتوقف عن تقديم النصيحة والمساعدة عبر آلاف الأميال. وفي هذه السنوات ترك الأستاذ محسن محمد موقعه التنفيذي رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر ورئيسا لتحرير "الجمهورية" ولكن لم يترك أبدا قلمه الذي هو مدرسة للكتابة الصحفية بأسلوبه الرشيق الساخر وعباراته السهلة البسيطة التي تمثل نوعا من الثقافة الرفيعة القادرة علي الوصول لكل القراء علي اختلاف مستوياتهم الفكرية بسهولة ويسر. وقيمة القلم الذي يحمله محسن محمد هو أنه كان دائما مستقلا في الرأي بعيدا عن النفاق والتزلف والبحث عن المصالح الخاصة وتحقيق الثراء من خلال المهنة. وقد ظل محسن محمد يكتب باحثا عن الامتاع وعن ارضاء الذات فجاءت كتاباته دائما تتسم بالصدق والموضوعية وسعة الاطلاع في زمن ندر فيه من يقرأ ومن يحاول أن ينقل إلينا تجارب الآخرين وخبراتهم. وعندما تجلس مع محسن محمد الذي صنع المعجزة في أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات بالصعود بتوزيع صحيفة "الجمهورية" إلي أرقام قياسية وصلت الي المليون نسخة يوميا فإنك تجد في هذا الشيخ الجليل قلب شاب صغيراً مازال مليئا بالحماس والرغبة في الكتابة والعمل ومتابعة ما يكتبه الآخرون وما يقولونه.. وتشعر أمام هذا التدفق وهذا العطاء انك لم ولن تفعل شيئا أمام قدرة ومقدرة هذا الرجل علي العطاء والابداع.. متعك الله بالصحة يا أستاذنا الكبير وبالشفاء إن شاء الله. [email protected]