الحرب علي أرض الواقع تختلف عن الحرب بالكلمات والشعارات وما يطلق عليه الحرب الباردة.. ولحظات تنقلب الاحوال حين يبدأ القصف تنهدم البيوت وتتطاير الأشلاء ويبدأ الصراخ الحقيقي علي الضحايا.. وهم في الغالب -أي الضحايا- لا يتحكمون في سير الأمور وليس في وسعهم انهاء الأزمة فضلا عن بدئها. ما حدث في غزة عنوان صارخ لجبروت القوة والاستخدام المفرط لها من جانب إسرائيل ردا علي المناوشات الكلامية وترديد التهديدات الفارغة التي يطلقها قادة حماس مع بضعة صواريخ عبثية لا تقدم ولا تؤخر في ميزان القوة. فاجأت إسرائيل القطاع بغارة جوية مكثفة تم التخطيط لها بعناية أسفرت عن قتل المئات وجرح المئات، لا يهم العدد بالضبط لكنه عدد كبير للغاية بالنسبة لأرض محتلة قررت إسرائيل إخضاعها للتأديب الجماعي. لم تأبه إسرائيل للتحذيرات من الاستخدام المفرط للقوة ولم يأبه قادة حماس للنصائح التي تلقوها بضرورة توخي الحذر في التصريحات والتهديدات التي تحولت فجأة الي خطر داهم في نظر المجتمع الإسرائيلي واشتعل القطاع في خمس دقائق تحت وطأة نحو 60 طائرة قصفت نحو 40 موقعا في وقت واحد. لا يمكن تبرير الغارة الإسرائيلية بأي حال.. كما لا يمكن قبول مزاعم المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي الذي قال إن إسرائيل طال صبرها علي مطلقي الصواريخ التي بلغ عددها نحو 12 ألف صاروخ.. وان اسرائيل لا تستطيع البقاء تحت ضغط عدم توفير الأمن لسكان جنوب إسرائيل. إسرائيل تعرف ان المشكلة ليست في إطلاق الصواريخ والرد عليها وهي تعرف كما يعرف المجتمع الدولي ان القضية هي قضية احتلال إسرائيل أرض فلسطين سواء في قطاع غزة أو غيره من الأراضي الفلسطينية. ولكن بمهارة ومساندة من القوي الدولية المسيطرة علي توجيه الأمور استطاعت إسرائيل تحويل قضية احتلال الأرض الي قضية مقاومة ارهاب الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس التي تحتل بدورها قطاع غزة غصبا عن السلطة الوطنية الفلسطينية. حماس تريد ان تستمر في المقاومة بإطلاق الصواريخ لإجبار إسرائيل علي إنهاء الاحتلال.. وميثاق حماس يرفض الاعتراف بإسرائيل أو حتي بحل الدولتين.. وتريد حماس أيضا ألا ترد إسرائيل علي قصف سكانها بالصواريخ.. فكيف يمكن إذن حل هذه المعادلة. إن تصلب الساسة والقادة وعدم التزامهم بالواقع العملي علي الارض يؤدي الي مزيد من الخسائر حينما تفلت الاعصاب وتلتهب المشاعر. إن إدانة العنف المفرط من جانب إسرائيل لا تعني الموافقة علي أنواع اخري من العنف أقل إفراطا.. ولكن اللجوء الي العنف تسقط معه الحدود ولا يمكن تدارك النتائج. العنف سواء كان مقاومة أو غير مقاومة مرفوض ولن يؤدي الي نتيجة واستخدام السكان في قطاع غزة وفي جنوب إسرائيل رهائن لدي القادة علي كلا الجانبين حماقة ما بعدها حماقة.