انتهت تهدئة الاشهر الستة في جو يشوبه القلق والترقب والحذر خاصة بين المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة بعد ان اعتبرت فصائل المقاومة الفلسطينية ان اتفاق التهدئة الذي رعته مصر لم يحقق النتائج المتوقعة، في ضوء عدم التزام اسرائيل بشروطها وكان من الطبيعي ان تستقبل اسرائيل رفضها التجديد للتهدئة بحالة الاستنفار والاستعداد علي طول الحدود مع قطاع غزة رغم امتناع كبار القادة والمسئولين الاسرائيليين عن التعقيب علي اعلان عدم تمديد التهدئة، ربما يكون المسئولون في اسرائيل في انتظار التطورات الميدانية او سلوك الفصائل حتي نهاية الاسبوع قبل اتخاذ قرار بالتصعيد رغم اعلان الجيش الاسرائيلي استنفار وحداته العسكرية المتمركزة حول القطاع والغاء اجازات نهاية الاسبوع لافرادها. وبحسب صحيفة هآرتس الصادرة في اسرائيل فإن الخطط الاسرائيلية اللازمة لعمليات عسكرية ضد أهالي القطاع والمقاومة جاهزة في ادراج قادة الجيش وقد يناقشها المجلس الوزاري المصغر للشئون الامنية والسياسية الاسبوع المقبل. اسرائيل بدورها تصرح بالشيء ونقيضه كعادتها دائما فهي لا تستقر علي حال او لا تريد اتخاذ موقف بعينه لكنها تمسك العصا من المنتصف، ففي الوقت الذي تؤكد فيه تقارير اسرائيلية أن وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس هيئة الاركان في الجيش الجنرال جابي اشكنازي ليسا معنيين في الوقت الحالي بإطلاق يد الجيش للقيام بعمليات عسكرية واسعة، ويؤيدهما في ذلك رئيس المخابرات العامة الجنرال يوفال ديسكين الا ان اسرائيل لن تتردد كما يقول قادة احدي أذرع الاستخبارات في تصعيد تدريجي ردا علي أي قصف يطول جنوبها وتلوح اسرائيل كعادتها بضربات جوية واستئناف الاغتيالات وتشديد الحصار علي القطاع واتخاذ اجراءات عقابية جماعية مثل قطع التيار الكهربائي أو وقف تزويد القطاع بالوقود. لكن في كل الاحوال تبقي كل الخيارات مفتوحة والترقب والحذر هما سيد الموقف علي الاقل في الوقت الحالي من جانب الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وللحق فمن الضروري ألا نغفل الدور الإسرائيلي الرئيسي مهما تزرعت بالاكاذيب في فشل التجديد للتهدئة ورغم تحميلها المسئولية لحركة حماس فهي التي أطلقت الرصاصة الاخيرة عليها لاختراقها المتكرر لبنودها فأجهضتها مبكرا وأوصدت كل الابواب في سبيل تمديدها رغم الاكاذيب التي تطلقها من حين لآخر تعكس فيها هذه الحقيقة الواضحة للعيان. وعلي الرغم من ثبوت هذه الحقيقة إلا أن العودة الي ما قبل التهدئة لن يكون سهلا علي الفلسطينيين بأي حال وهم دوما من يدفعون الثمن.. المفارقة التي لا يمكن اغفالها ان العسكريين الذين اتهموا دائما باثارة الحروب هم انفسهم الذين يعملون لجم القتال المتجدد، كما ان القيادة الامنية الاسرائيلية مازالت تعتقد ان الظروف لم تتضح بعد لعملية برية واسعة فليس إذا من مصلحة اسرائيل القيام بعملية من هذا النوع أو التورط في مواجهة شاملة، لذا تجد الحكومة الاسرائيلية نفسها مشلولة ومرتبكة وعاجزة وحتي لو أراد أي من وزرائها القيام بعملية عسكرية في القطاع، فإن سلاح الطيران الحربي سيرد عليه بأن الامر غير ممكن بسبب حالة الطقس فالحروب لا تجري عادة في الشتاء ووسط الغيوم، ويبدو ان الحقيقة مغايرة لهذا الادعاء لكنها تكمن في عدم قناعة قيادة الحكومة الاسرائيلية بأن هناك صيغة عسكرية أو سياسية لمعالجة القطاع تفوق الفائدة منها ثمنها، وعليها فليس امام القادة العسكريين أو السياسيين سوي الانتظار حتي تضيق ذرعا بذلك، فالحكومة الاسرائيلية مازالت تحت وطأة فشل الحرب الثانية علي لبنان، وثمة من يقول ان مخاوف قائد الجيش اشكنازي من الفشل تشله، وانه لا يؤمن بأن عملية عسكرية ستأتي بحل وفي كل الاحوال فإن الضرر الذي سيقع علي عاتق السكان في قطاع غزة لمن يكون سهلا وسط تفاقم الاوضاع المعيشية والتهديدات الاسرائيلية بتصعيد عملياتها العسكرية، إلا أنه يكاد جميع الفلسطينيين يتفقون علي ان تجربة التهدئة الاولي لم تجلب عليهم أي شيء سوي المزيد من الحصار والتجويع والموت البطيء، فلماذا اذن يعولون علي تهدئة جديدة أو تمديد لتهدئة لم يجن معها سوي "الحصرم"؟ فكيف نفسر اقتناع الفلسطينيين بعدم جدوي التجديد للتهدئة رغم ما ينتظرهم من مآس كثيرة إلا لايمانهم الراسخ بأن اسرائيل لا تمنح بلا مقابل وان منحت فهي تعطي الفتات مقابل ما يحقق لها مصالحها الامنية الواسعة فما جناه الفلسطينيون من التهدئة الماضية كان المزيد من القمع والاضطهاد والاستمرار في اغلاق المعابر الشريان الوحيد لهم للانطلاق إلي خارج القمقم الذي حشروا فيه انفسهم لاشهر عديدة. ان هذه القناعة ولدت لدي الفلسطينيين من رحم المعاناة واليأس من جدوي الوثوق بالاحتلال مهما كانت وعوده مغرية، فهي في النهاية لا تعدو كونها حبرا علي ورق لن ينتظر جفافه حتي تدك قنابل اسرائيل وصواريخها بيوت باتت بلا جدران فلا شيء بقي كي يخسره الفلسطينيون كما خسروا..!