هل يؤدي تطوير الحد الأدني للأجور إلي الحد من الفقر؟! حاولت الدكتورة منال متولي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الإجابة علي هذا التساؤل من خلال ورقة تحت عنوان "تطوير سياسة الحد الأدني للأجور والحد من الفقر في مصر".. مشيرة إلي أن الاقتصاد المصري يتسم ببعض السمات التي تحد من إمكانية الاعتماد علي سياسة الحد الأدني للأجور وتطويرها للحد من الفقر أهمها: أولاً: كبر حجم القطاع غير الرسمي حيث يشمل حوالي 82% من المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر ومن ثم فإن نسبة كبيرة من العمالة والتي تتركز في الاقتصاد غير الرسمي والتي تصل في بعض التقديرات إلي 8.2 مليون عامل لاتستفيد من سياسة الحد الأدني للأجور بل وأشارت بعض الدراسات إلي أن المغالاة في رفع قيمة الحد الأدني للأجور تؤدي إلي زيادة فرص العمل في الجانب غير الرسمي مما يؤدي إلي انخفاض الدخول التي يحصلون عليها ومن ثم استمرارهم في دائرة الفقر. ثانيا: ضعف قدرة الفقراء علي النفاذ إلي سوق العمل وبصفة خاصة في المناطق الحضرية حيث بلغت هذه النسبة 36% وتتزايد الفجوة بين الفقراء وغير الفقراء في نسبة المشاركة في سوق العمل في المناطق الريفية لتصل إلي 54% عام 2005 مما يدل علي أن الحصول علي فرص عمل أصبح مشكلة للفقراء. ثالثا: مرونة التشغيل في سوق العمل حيث يعاني الاقتصاد من ضعف تدفق الاستثمارات إلي القطاعات المولدة لفرص العمل حيث يعاني كل من القطاع الصناعي والتجارة والتمويل والتشييد من ضعف نسبة الاستثمار إلي إجمالي الاستثمارات علي الرغم من كونها من القطاعات ذات المرونة المرتفعة للتشغيل والتي بلغت 61.0 55.0 51.0 علي التوالي ووفقا لتقدير البنك الدولي لعام 2007 فإن العمالة ذات الأجور المنخفضة تتركز في القطاعات السابقة حيث تصل نسبتها إلي إجمالي العمالة بأجر إلي 47.5% و30.7% و68% علي التوالي وبالتالي فإن رفع الحد الأدني للأجور إلي مستويات مرتفعة قد يؤدي إلي تخفيض مستويات التشغيل في هذه القطاعات مما يهدد العمالة ذات الأجور المنخفضة بالخروج من سوق العمل ومن ثم الوقوع في دائرة الفقر. وأوضحت الدكتورة منال متولي في بحثها أن الدراسات السابقة لتقدير الحد الأدني للأجور ركزت علي استخدام معيار واحد بينما اتفقت التجارب الدولية ومنظمة العمل الدولية علي أهمية استخدام أكثر من معيار عند التجديد والمراجعة بالإضافة إلي أنه لم تؤخذ في الاعتبار إنتاجية العامل وبالتالي لا تتسم هذه التقديرات بالقوة القانونية اللازمة لقوة نفاذها.. مشيرة إلي أنه بدلا من الزيادات السنوية للحد الأدني للأجور والتي تقررها الحكومة بموجب القانون يمكن مراجعة هذا الحد من خلال العمل علي مواءمة الحد الأدني للأجور مع التغير في كل من الإنتاجية والمستوي العام للأسعار ومتوسط الأجور في المجتمع ومستوي التشغيل والأوضاع الاقتصادية للدولة بالإضافة إلي قدرة كل صناعة علي دفع الأجور عند حدها الأدني المقترح. وأضافت أنه يجب عند تطوير السياسة الحالية للحد الأدني للأجور أن تتم مراجعته بشكل دوري لضمان المحافظة علي قيمته الحقيقية وأن تتم المراجعة كل عامين في إطار اتجاه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء نحو إصدار بحث الدخل والانفاق والاستهلاك كل عامين.. وترتبط هذه المراجعة بتحديد المعيار المستخدم ليعكس التغيرات في المستوي العام للأسعار، ومما يتطلب التفكير في إعداد الرقم القياسي لتكلفة المعيشة ليعكس الاحتياجات الأساسية للعامل وأسرته.. مشيرة إلي أن بعض الدول مثل الهند لا تقوم بتعديل الحد الأدني للأجور بنفس قيمة معدل التضخم بل يتم التمييز بين فئات الدخل المختلفة حيث يتم تعويض أصحاب الدخول المنخفضة بنفس قيمة معدل التضخم.. أما أصحاب الدخول المرتفعة فيتم تعويضهم بنسبة أقل وذلك لتحقيق الاستقرار في الهيكل النسبي للأجور في المجتمع ودرءاً للمخاطر التضخمية. وطالبت أيضا بوجود آليات أخري مكملة لدور المجلس القومي للأجور مثل تشكيل لجان صناعية تتكون من الحكومة وممثلي العمال ومنظمات الأعمال في كل صناعة للاتفاق حول الحد الأدني للأجور المناسبة لكل صناعة إسوة بتجربة اليابان حيث تتباين الصناعات في مصر وفقا لمستوي الإنتاجية والقيم الفعلية للحد الأدني للأجور وضرورة تفعيل آليات التفاوض الجماعية وإعادة النظر فيها لتوضيح طبيعة الشركات المساهمة فيها وقواعد المشاركة وآليات التنفيذ المستخدمة وضمان مشاركة العمال فيها وذلك لارساء قواعد المشاركة العمالية في تحديد الحد الأدني للأجور.