نعم صدق مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق وصانع نهضتها الحديثة.. لقد حلم وتحقق حلمه ومشروعه العظيم بأن يكون الجيل الحالي هو آخر الأجيال الماليزية الذي يعيش في دولة تصنف كدولة نامية.. وقد حلم مهاتير وأشرك معه الشعب الماليزي بكامل فئاته وطوائفه وأعراقه في تحويل ذلك الحلم إلي حقيقة، وضع الخطط وحدد عام 2020 النقطة الفاصلة بين مرحلتين والهدف هو الانتقال بعد هذا العام إلي صفوف الدول المتقدمة، وهاهي ماليزيا تسير بخطي ثابتة إلي هذا الهدف. ولم يكن من الصعب أن أري مظاهر تحقيق الهدف الماليزي منذ وطأت قدماي مطار كوالالمبور الدولي، الذي يضاهي أي مطار لدولة غربية مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا بل إنه يفوقها لأن السائح والزائر يشعر بأنه جديد وانتهوا للتو من إنشائه وتوصيله بجميع الخدمات الحديثة، من خطوط مترو "جديدة لانج" وكأن الناس لم يستعملوها من قبل، من شدة نظافتها وتنسيقها، تتميز بخطوط اتصالات منتشرة في أرجاء المطار اضافة إلي أجهزة الكمبيوتر الموجودة بشكل كاف، ومعلقة في ساحات المطار علي ذمة المسافر، ليدخل منها إلي شبكة المعلومات ويتابع بريده، وعمله بكل يسر، ناهيك عن الكراسي والارائك المريحة والوثيرة المنتشرة، وبيوت الراحة الفاخرة، والمحلات التي "تزغلل" العين من شدة جمال وجاذبية الاشكال التي تعرض من خلالها سلعها ومنتجاتها والعروض التجارية المغرية التي تحفز السائح علي الشراء "ثمن سلعة واحدة، تأخذ اثنين" و"علي كل سلعة تأخذ هدايا" المهم أن كل زائر يشعر أنه أهم شخص في المطار وأن كل تلك الخدمات المتنوعة موجودة لصالحه و"علشانه" وأن المواطن الماليزي والدولة بأجمعها تحتاجه، ولذلك تضع كل شيء لخدمته ولراحته بل وتشكره لأنه يزورها ويدفع أموالا ويشتري ويستهلك.. لذلك فإن البائعين يشكرون الزائر بعد أن يدفع مالا مقابل شراء أي سلعة، وكأنهم يقولون له: شكرا لأنك تنفق في بلدنا، شكرا لأنك توفر فرص العمل بفضل "الرينجيت" وهي العملة المحلية التي تدفعها". انها ثقافة يؤمن بها المجتمع الماليزي وتنعكس في سلوكياته تقوم علي قناعة أن الزائر لابد أن "يكافأ" لأنه اختار ماليزيا.. وليس مجرد الضيافة وحسن المعاملة أو كما يحدث عندنا من معاقبة السائح واستغلاله لأقصي حد لأنه جاء إلي مصر! ولابد أن أشير أيضا للاهتمام الخاص الذي أصبح العربي "ناطق العربية" يحظي به، حيث أضيفت إلي اللوحات الارشادية المنتشرة في كافة أرجاء المطار اللغة العربية تنفيذا للاستراتيجية الجديدة للسياحة الماليزية والتي دشنتها في شهر مايو الحالي، والتي ترمي لاستقطاب 400 ألف سائح عربي هذا العام.. وقد أطلقت ماليزيا حملة واسعة إعلانية في المنطقة العربية لتحقيق هذا الرقم. وماليزيا التي تسير بسرعة لتحقيق حلم التحول إلي دولة متقدمة مع حلول العام ،2020 بدأت تتحرك نحو هذا الهدف منذ الثمانينيات في عهد رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد وقد حددت مبكرا الأسئلة المحورية والمصيرية للمستقبل وبكل دقة، فعرفوا ماذا يريدون، وإلي أين يطمحون وهل يسعون لمحاكاة دولة معينة من الدول التسعة عشرة المتقدمة دولة من هذه الدول ال19 قوتها الخاصة، لكن لكل منها أيضا نقاط ضعفه وعثراته التي لابد من تلافيها وعدم تكرارها مثلما ذكر "مهاتير" في بداية إعلان استراتيجية التحديث في عهده. ولكن الأهم في تحديد الأهداف الرئيسية للنموذج الماليزي، هو التصدي منذ البداية لمعضلة خطيرة تواجه كافة الدول في تقدمها، وهي أن يضمن نهوض وتوسيع رقعة الطبقة الوسطي وأن تتميز بالحيوية للمشاركة في الإنتاج والتمتع بثمار الرخاء، فيكون هناك مساواة في توزيع الثروة وشراكة في التقدم الاقتصادي، حتي لا تكون تلك الطبقة ضحية تسقط في القاع وتدفع ضريبة باهظة يستفيد منها فئات أخري تجارية وصناعية كانت أصلا مؤهلة لاقتناص الفرص والانقضاض علي ثمار التجربة. لذلك فقد عملت ماليزيا بنجاح علي إخراج من يطلقون عليهم "القاع الثالث" من الفقراء بتوفير الفرص للتعليم الحديث بينهم ودعم الابداع وتوفير الغذاء والرعاية الصحية المجانية وتصدت الدولة لرعاية هؤلاء علي عدة مستويات بدءا من تضييق الفجوة بين دخل الطوائف العرقية، حتي لا تعاني الدولة في المستقبل من تمتع طائفة بالمكتسبات علي حساب طوائف أخري خاصة أن ماليزيا هي مزيج من الاعراق كالملايو، والصينيين، والهنود، مع بعض أقليات أخري ووصولا إلي توفير الفرص والخدمات الاجتماعية والبني الأساسية للقري والريف وجميع المواقع الجغرافية شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، بنفس القدر الذي تتمتع به المدن من مميزات وحداثة وهذا مايعرف باللامركزية، فماليزيا المتقدمة لا يجب أن تكون مجتمعا يتم فيه ربط التخلف الاقتصادي بطائفة عرقية محددة، أو بموقع جغرافي معين كما يقول مهاتير محمد صانع تلك الاستراتيجية في بداية تنفيذ خطته.