سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعد أن أصبحت أوروبا أكبر مصدر في العالم للمنتجات الزراعية
ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء يمكن المزارع الأوروبي من زيادة أرباحه والاستغناء عن الدعم الحكومي
كلنا يذكر كيف اكتسب أعداء العولمة شعبية كبيرة بين المزارعين الأوروبيين البالغ عددهم 13 مليون مزارع ونذكر أن جماعات الضغط الزراعية تدعمها حكومة فرنسا قد حاربت دون هوادة قوانين الإصلاح التي كانت تستهدف فتح القطاع الزراعي الأوروبي المدلل بدرجة أعظم أمام قوي السوق، ولكن هذا كله كما تقول مجلة نيوزويك قد بدأ يتغير خصوصا مع الارتفاع الحادث أخيرا في أرباح مزارعي أوروبا.. لقد راح أعداء العولمة يعزفون نغمات أخري.. فهذا هو اتحاد الفلاحين الألمان الذي كان يدق علي نفس الطبول الفرنسية من أجل استمرار الحماية والدعم يعلن بوضوح أن المزارعين الألمان صاروا يتطلعون بقوة إلي حرية السوق العالمي بل إن رئيسه البافاري مربي الخنازير جيرد زونلايتنر يمتدح عصر حرية العرض والطلب باعتباره انعتاقا جديدا من عبودية الإقطاع.. وبدلا من الاحتجاج ضد التجارة العالمية صار المزارعون الأوروبيون يبحثون عن أسواق عالمية جديدة لمنتجاتهم. لقد كانت حرية السوق في نظر المزارعين الأوروبيين تعني الإغراق والتحريف، أما الاَن فقد تغيرت الأمور بفضل الانتعاش الكبير في الأسعار العالمية للغذاء ومنتجات المزرعة وهو انتعاش صنعه طلب الطبقات المتوسطة الصاعدة في الأسواق الناشئة إلي جانب ما حدث من تغير في نظام الدعم الزراعي الأوروبي الذي يبلغ عمره نصف قرن. صحيح أن نظام الدعم لايزال قائما ولكن دون عيوبه القديمة، فقد انتهت الأيام التي كانت تتعاون فيها بيروقراطية الاتحاد الأوروبي مع وزراء زراعة الدول الأعضاء من أجل تحديد أسعار المنتجات الزراعية وشراء الفائض منها لتخزينه في شكل بحيرات من النبيذ وجبال من الزبد تقوم ببيعها بعد ذلك لأسواق العالم بأسعار تقل كثيرا حتي عن أسعار التكلفة وهو ما يسمي بالإغراق. وتقول الأرقام إن إنفاق أوروبا علي الدعم الزراعي قد تجمد تقريبا منذ سنوات عند 43 مليار يورو سنويا "5.64 مليار دولار تقريبا" وذلك علي الرغم من زيادة عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي من 15 دولة ليصبح 27 دولة.. أما دعم الصادرات الأوروبية من السكر واللبن واللحوم فقد تراجعت قيمته من 10 مليارات يورو سنويا في تسعينيات القرن الماضي ليصبح 4.2 مليار يورو فقط عام ،2006 وينتظر أن يتم إلغاؤه كليا في عام 2013.. ومنذ عام 2004 لم تعد قيمة الدعم ترتبط مباشرة بإنتاج أو تصدير المحاصيل ويتم تحفيز المزارعين علي زراعة المحاصيل المربحة بدلا من زراعة تلك التي تحصل علي القدر الأكبر من الدعم. ونتيجة لذلك كله فقد قام المزارعون ومنتجو الغذاء بترقية نشاطهم من أجل الحصول علي أعلي العوائد من الأسواق العالمية.. وفي هذا الإطار تراجعت بسرعة صادرات أوروبا من السكر والدواجن والحبوب وغيرها من المنتجات الخام وزادت الصادرات الأوروبية من الأغذية المصنعة مثل السجق ولحم الخنزير وغيرهما حتي تفوقت أوروبا علي الولاياتالمتحدة وصارت أكبر مصدر للمنتجات الزراعية في العالم. ونذكر هنا علي سبيل المثال أن صادرات أوروبا من بودرة اللبن المجفف قد تراجعت وبعد أن كان نصيب أوروبا من السوق العالمي لهذه السلعة الرخيصة 50% عام 1999 هبط إلي 27% فقط في عام 2007.. وتحول مزيد من اللبن الأوروبي لصنع الأجبان الأغلي سعرا التي يتزايد الإقبال عليها من الطبقات الوسطي في روسيا والأسواق الناشئة وزاد نصيب أوروبا من سوق الأجبان العالمي من 35% عام 1999 ليصبح 42% عام ،2007 وقد نشأ في أوروبا في السنوات الأخيرة جيل جديد من المنظمين في مجال الإنتاج الزراعي مؤمنا بالمنافسة العالمية وقوي السوق الحرة وناقما علي سياسات الدعم القديمة التي تأخذ طريقها إلي الانقراض.. وهناك مثلا المزارع الألماني الجديد الذي يعمل في إنتاج الحبوب مثل هوبرتوس بايتوف، فالرجل لديه مزرعة مساحتها 800 هكتار استطاع عن طريق استخدام أحدث التقنيات والبذور المنتقاة أن يجعل متوسط إنتاج الهكتار 9 أطنان من القمح في حين أن المتوسط العالمي هو 5.2 طن فقط لكل هكتار.. ومع ارتفاع أسعار القمح بنسبة 300% منذ عام 2006 حتي الاَن فإن أرباح بايتوف في تصاعد مستمر بسبب ارتفاع إنتاجية الفدان وارتفاع الأسعار إلي جانب ما يتمتع به من ميزة تنافسية في تكاليف التصدير وسرعته. وبسبب هذه التطورات تتزايد قناعات المنظمات غير الحكومية في أوروبا إلي جانب المزيد من الناخبين بأن نظام الدعم الزراعي ليس أسطورة وأنه يمكن بل يجب الاستغناء عنه.. وبفضل الشفافية صار واضحا أيضا أن كبار المنتجين الزراعيين خاصة الشركات الكبري التي تمتلك مزارع واسعة مثل يونيليفر ونستلة وكوين في انجلترا هي الأكثر استفادة من الدعم، وهنا تقول الأرقام بوضوح إن 80% من الدعم يذهب إلي أكبر 20% من المنتجين في حين لا يحصل صغار المزارعين إلا علي الفتات ولذلك تتزايد الدعوات إلي تركيز الدعم علي صغار المنتجين التقليديين دون سواهم.. وسوف يتأكد ذلك عندما تبدأ فرنسا وألمانيا في العام القادم نشر الأرقام المفصلة لتوزيع الدعم الزراعي عندهما. وتقول مجلة "نيوزويك" إنه مع تزايد أعضاء الاتحاد الأوروبي 12 عضوا جديدا ستكون الحاجة ماسة إلي إصلاح نظام الدعم الزراعي الأوروبي أو ما يسمي بالسياسة الزراعية الأوروبية إصلاحا جذريا خصوصا أن الدول الأوروبية الأغني التي كانت تعد المستفيد الأكبر من هذه السياسة سوف تتحول إلي مانح للدول حديثة العضوية في الاتحاد الأوروبي ورغم أن هناك اتفاقا بين دول الاتحاد علي ألا تزيد مساهمة كل دولة في تمويل السياسة الزراعية الأوروبية علي 1% من إجمالي ناتجها المحلي فإن الإصلاح سيصبح ضرورة محتمة في غضون سنوات قليلة من الاَن.