في زيارته لمنطقة الشرق الأوسط والتي شملت دولاً عربية محورية اكد الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر انه لا يمثل أي شخص في هذه الجولة وان كل ما يريده ان يحصل علي فرصة في هذا الاقليم المعقد لفهم فرص المستقبل، واذا ما كانت هناك رؤية لامكانية حدوث اختراق فانه مستعد لتقديمها إلي الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته ولحكومة اسرائيل اذا استمع أحد هناك له وربما يكون ذلك عاملا مساعداً. هذه الزيارة أثارت لغطا كبيرا في الأوساط السياسية خصوصا ما يتصل منها بلقاءات كارتر مع قيادات حركة حماس في القاهرةودمشق، كما أثارت العديد من الاسئلة حول مدي اهميتها وامكانية ان تنطوي علي بوادر انفراج ازاء جملة من الملفات الاساسية المعطلة. فهناك من يعتبر زيارة كارتر هي مجرد مبادرة شخصية معزولة وتشكل تواصلات مع ما تولد لديه من قناعات بعد مغادرته البيت الابيض في الوقت الذي اعتبرتها اسرائيل معادية لها - فتعاملت معها ببرود شديد - وموالية للفلسطينيين، ومن يعتبرها قناة خلفية لتمرير رسمية أمريكية تتصل بالادارة الامريكية. ورغم ان زيارة كارتر لا تحمل صفة ركية، فإنه يعتبر شخصية اعتبارية تحظي باهتمام كبير لذا شكلت زيارته بالنسبة لقيادة حركة حماس فرصة للتنفس والتقاط الانفاس ومحاولة للبناء عليها في المستقبل لتحقيق اختراق اقليمي أو دولي مع أن مواقف الادارة الامريكية المعلنة علي الاقل لم تحبذ الزيارة وخاصة لقاء كارتر مع قيادة حماس، والبرود الشديد الذي استقبلت به اسرائيل كارتر مع انه اطلق تصريحات قاسية في وصف القذائف والصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية. كارتر الذي حاول قراءة ما يدور في ذهنية حركة حماس في مراكز القرار الثلاثة التي التقاها فيها: دمشق، وقيادة الحركة في الضفة وقيادتها في غزة أراد أن يقرأ بوضوح وجهة نظر كل فريق وان كانوا في النهاية يشكلون حركة واحدة وعقيدة مشتركة لكنه ايضا وحسب ما جاء علي لسانه من تصريحات حاول ان يؤثر في صناع القرار في الحركة من خلال الافكار السلمية التي يحملها وصولا لاحداث نقلة في رؤية قيادة حركة حماس في الشأنين الوطني الفلسطيني والاقليمي المتعلق بالتسوية السياسية مع الجانب الاسرائيلي. في الوقت ذاته تشكل هذه الزيادة الحد الأدني من عوامل تحريك الملفات المطروحة، واختراقاً يعد لصالح حركة حماس من قبل شخصية أمريكية دولية مرموقة، في ظل حصار محكم وربما تترك بعض التأثير علي مواقف الحركة نحو المزيد من المرونة بحدود ما تسمح به حساباتها ومصالحها ورؤيتها للأمور. فقد طرح كارتر قضايا بعينها علي قيادات الحكة سواء في دمشق مع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل أو الوفد الذي التقاه في القاهرة بقيادة د. محمود الزهار وسعيد صيام، هذا الطرح يمثل بادرة حسن نية بخصوص التهدئة ووقف إطلاق الصواريخ من غزة، وذلك من خلال ورقة قدمها كارتر تضمنت مقترحاته في عدد من القضايا منها التهدئة وتبادل الأسري والحصار الإسرائيلي علي الأراضي الفلسطينية ومن جملة ما حققته لقاءات كارتر بقيادات حماس طبيعة الحوار الذي دار بينهما إذ اعتبر مصدر مسئول في الحركة أن لقاء كارتر بمشعل شكل فارقا كبيرا، حيث تحدث كارتر مع مشعل باعتباره زعيم حركة تحرير وطنية، وليس إرهابيا كما تحاول إسرائيلي والولايات المتحدة تصويره. في المجمل لا أحد يستطيع أن يخمن ما خلص إليه الرئيس جيمي كارتر من لقاءاته مع قيادة حماس، خاصة في ضوء أجواء السرية والابتعاد عن الإعلام الذي أحاط باللقاءات، ومارشح عن هذه اللقاءات من تصريحات لقيادات حماس برفض أعطاء إسرائيل هدية مجانية بلا ثمن أو أن ما طلبه كارتر منهم هو قيد البحث والدراسة، وعلي فرض أن حركة حماس تميل نحو قبول تهدئة كما طالبها كارتر، فهل تقبل بتهدئة فقط في قطاع غزة فيما يتم الإعلان يوميا أنها تسعي من أجل تهدئة شاملة؟ وحتي لو قبلت بتهدئة جزئية علي جبهة قطاع غزة، فماذا ستفعل إزاء حركة الجهاد الإسلامي التي ترفض مثل هذه التهدئة الجزئية، خصوصا أن إسرائيل لا تتوقف عن ملاحقة واغتيال قياداتها، وكوادرها في الضفة الغربية؟ وإذا كانت حماس في نيتها القبول لتهدئة كما تشير تصريحات قياداتها فما هو الأفق الذي تستند عليه في مثل هذه التهدئة خاصة في ضوء عمليات المقاومة الأخيرة وحتي تركزت علي المعابر التي هي محور الخلاف والتجاذب السياسي القائم حاليا بين الحركة والسلطة والحكومة المصرية لذا فإن الاعتقاد السائد بأن ما يقوم به الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر أو الإدارة المصرية هو مجرد وساطات لا تنطوي علي إمكانيات تغيير الأمر الواقع الذي يزداد سوءا وترديا وبؤسا!!