ضعف السياسة الزراعية والصناعية، أم الاستثمارات التي تم توجيهها بشكل خاطئ، أم سوء الوضع في السياسات المالية والنقدية.. أي من هذه الأسباب وراء الارتفاعات القياسية لأسعار السلع الأساسية، والتي تجاوزت كل الحدود، أم كل هذه العوامل دفعة واحدة كانت الأسباب الرئيسية لهذه الارتفاعات؟! لا خلاف علي أن السياسة الزراعية ومنذ أكثر من 30 عاما لم تشهد أي جديد لتغطية الاحتياجات المتزايدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، ولكن هل هذا هو المبرر الرئيسي فيما يحدث للسلع والقطاعات الغذائية من جنون في الأسعار. لعل استناد الحكومة علي تحرير سعر الصرف منذ عام ،2003 والارتباط بالخارج وتأثير ذلك علي الأسعار الداخلية وراء الأزمة الحالية خاصة وأن الحكومة نفسها تبرر الزيادات في الأسعار بأنها ارتفاعات عالمية. لكن المراقبين يرون أن فشل الحكومة في تفعيل آلياتها للسيطرة علي السوق أدي إلي فقدان الدولة لأدواتها للسوق والسيطرة عليه. كل هذا دفعني إلي طرح السؤال علي د. إبراهيم العيسوي الأستاذ بمعهد التخطيط القومي عن الأسباب الحقيقية وراء مثل هذه الارتفاعات الجنونية لأسعار السلع، خاصة الغذائية.. فكانت الإجابة أن هناك أكثر من عامل منها ضغوط الطلب علي المعروض من السلع الأساسية، وما شهدته الارتفاعات العالمية لأسعار البترول والمواد الغذائية، وبصفة خاصة في الحبوب نتيجة الانخفاض في العرض والزيادة في الطلب. وقال العيسوي: الأسعار العالمية تزيد ولكن ليس بمعدلات متسارعة مثلما يحدث لدينا فقد شهدت الأسعار خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وفي الفترة من 2004/،2007 ارتفاعات بالدول المتقدمة مقبولة وليست جنونية مثلنا. ففي الدول المتقدمة علي حد قوله وصلت هذه الارتفاعات إلي نحو 3.5%، فيما بلغت في الدول الصناعية 2.25% بينما وصلت بالدول النامية إلي 5%. "توحش" الأسعار وتساءل قائلا: لماذا توحشت الأسعار لدينا بهذه الصورة.. ولماذا كانت الارتفاعات في بعض السلع الأخري متباطئة؟ وعلي حد قوله فإن المبرر يكون هيكليا في السياسات الاقتصادية، والاعتماد بشكل أساسي علي الخارج، بالإضافة إلي الأسباب الداخلية ومنها تداعيات تحرير سعر الصرف عام 2003 والذي زاد لدرجة تفرض الاعتماد علي الخارج دون وجود أي حماية. كما أن ضعف مساهمات القطاعات السلعية في الإنتاج المصري والاعتماد علي بعض الصادرات التقليدية حسب قوله تدخل من ضمن هذه المبررات، في ظل الاحتكار لبعض السلع التي لا غني عنها، فمن غير المعقول أن يقوم شخص واحد بالاستحواذ علي 60% من سلعة واحدة في السوق. هذا إلي جانب الخلل في توزيع الدخول، التي زادت الفجوة اتساعا فيه بين الفقراء والأغنياء، وأيضا الارتباط القوي بين السلطة والثروة وكان لذلك تأثيره أيضا. ورغم محاولة السيطرة علي السوق من خلال آليات وأدوات معنية إلا أن الدولة فشلت في ذلك حيث إن ما أصدرته من قوانين وآليات للحماية ولدت "مشوهة"، وبالتالي فإن تفعيلها أمر مستحيل. وقال العيسوي: الحكومة تحاول تقديم مسكنات ووعود للمواطنين ولكن تفشل بسبب انعدام الثقة فيما تقوله، فإذا كان حديثها عن التوقع بالتضخم ساهم ذلك في زيادته. توزيع الدخل ويضيف: إذا أرادت الحكومة إيجاد علاج لهذا التضخم فعليها عدم التمادي والاستمرار في سياسة التحرير المالي والاقتصادي فرغم أن أسعار الفائدة منخفضة إلا أن القطاع الخاص لم يتجه للاستثمارات، واكتفي بالتكالب علي المجال العقاري. إذن لابد من سياسة متكاملة يراعي فيها توزيع الدخل، لتقليص الفارق بين الأغنياء والفقراء، هذا بالإضافة إلي ضرورة زيادات الإيرادات، وتخفيض النفقات. وبدوره يتساءل صفوان ثابت عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات السابق قائلا: لماذا زادت بعض أسعار السلع فيما ظلت السلع الأخري كالأجهزة الكهربائية والأخشاب في نفس معدلاتها!