اقتصاد نفسي أعرف د.عوض تاج الدين من قبل أن أراه، حيث عيادته التي في شبرا تزدحم عن آخرها بمن لا يستطيعون دفع المبالغ التي صار أطباء الصدر يطلبونها، وأعلم كيف يأتون من أقاصي الصعيد كي يكشف عليهم هذا المحترم في حدود ما يملكون. أعرفه منذ أن كان وكيلا لطب عين شمس، تلك الكلية التي تحتاج إلي يد من حرير وحديد كي ينضبط ايقاع العمل بها، وعرفته أكثر وهو يدير الجامعة كلها وحين تولي منصب وزير الصحة وجد "الغلابي" في قلبه متسعا لضعفهم، ولم يتوان علي الإطلاق عن إنقاذ ضعيف أو محتاج، ومن الصحيح أن العديد من قرارات العلاج كانت تصدر، وكانت بعض المستشفيات الخاصة تتنافس لتعالج الضعاف وهي تعلم أن ما تقدمه هو مشاركة منها فيما نثرثر به ليل نهار وهو تحمل القادرين لمتاعب غير القادرين. ولم يتأخر عوض تاج الدين يوما عن تدريب الأطباء لتحسين مستواهم العلمي، فقد لا يعلم أحد حقيقة قاسية عن مهنة الطب، وهي أنها مهنة قابلة للتبدل والتغير والترقي، وعلي الرغم من تجديده للعديد من المستشفيات إلا أننا لم نسمع ولم نلمس أدني ذرة من فقدان الضمير في عمليات الاحلال والتجديد، وهي العملية التي كان لها رائحة تسد أنوف كل من تعامل مع وزارة الصحة في الفترات السابقة علي وجود عوض تاج الدين علي قمتها. بل وكان أرباب القدرة علي الإفساد مكبلين بقيود من رقابة يقظة ولصيقة عندما كان يجلس عوض تاج الدين في منصب الوزير. وعندما كان الرئيس مبارك في ألمانيا لاجراء جراحة، كان وجه عوض تاج الدين المطمئن والعالم هو الذي يزيح عنا نحن المصريين عبء التوتر والقلق علي الرجل الذي منحته مصر ثقتها في عصر متقلب ممتلئ بالأعاصير التي تعصف بالدول من حولنا، وكانت بيانات عوض تاج الدين الدقيقة تحكي لنا بوضوح وجلاء تطور شفاء الرئيس من الجراحة التي أجريت له. وعندما جاء ميعاد التعديل الوزاري كان عوض تاج الدين أول الخارجين لا لشيء إلا لأنه يعي تماما أن الصحة يجب أن تنال من الميزانية اضعاف أضعاف ما نالته من قبل، فهو ينتمي إلي الضعاف لا إلي الحساب الختامي والموازنة، ولم يكن هو القادر علي تحمل عمليات التحول في الرؤية التي جاءت بها حكومة أحمد نظيف. وعندما نال جائزة الدولة التقديرية منذ أسبوع شعرت أنا كاتب هذه السطور أن الجائزة شرفت نفسها به، لأن مشواره الطبي كان يوم فيه جائزة علي صدره. هل أقول إن عوض تاج الدين يكاد أن يكون طبيب الأمراض الصدرية النادر - ومعه قلة نادرة أيضا - لم يسمح لنفسه بقبول دعوة واحدة من شركات دواء الأمراض الصدرية التي احترفت الترويج لنفسها بدعوات كبار الأطباء إلي رحلات بالخارج، يدفع ثمنها أخيرا المواطن المصري الذي تلهبه أسعار الأدوية؟ هل أقول إن عوض تاج الدين واحد من قلة ممن يكتبون الدواء الفعال بصرف النظر عن رخص ثمنه، وهو يفعل ذلك لأنه متابع متميز للجديد من علاج الأمراض الصدرية وليس جلادا يعمل لدي شركات الدواء مثل بعضهم؟ مبروك لجائزة الدولة التقديرية بقامة شامخة وقيمة نادرة هي عوض تاج الدين.