لم يحقق الفلسطينيون الكثير من زيارة الرئيس جورج بوش، الذي أظهر تعاطفا واضحا مع إسرائيل، ورئيس وزرائها إيهود أولمرت، خاصة بعد التصريحات التي أطلقها في مؤتمره الصحفي في رام اللهوالقدس، وتجاهله التعليق علي عدم التزام أولمرت وقف البناء في القدس والمستوطنات المحيطة بها، بالإضافة إلي ما جاء في تصريح الرئيس الأمريكي حول المشروع الإيراني وتأكيده أن إيران كانت ومازالت وستبقي تهديدا، وذلك عند تشديده أيضا علي الموقف الإسرائيلي ومطالبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالتحرك ضد مطلقي قذائف القسام في قطاع غزة، رغم إدراكه أن هذا المطلب غير ممكن في الواقع الحالي الذي تعيشه السلطة الفلسطينية. إسرائيل التي أبدت ارتياحها لتصريحات بوش والتي تتماشي والمواقف التي تتبناها مع الملفين الرئيسيين اللذين طغيا علي محادثاته مع كبار المسئولين الإسرائيليين حرصا علي أن تنجح في أن تجعل من الملف الإيراني الملف الإبرز في محادثاته، وقد أبرزوا ما يبدو تسريبا من مكتب أولمرت بأن الأخيرة أطلع ضيفه علي معلومات استخباراتية حديثة جمعتها أذرع الأمن والمخابرات الإسرائيلية المختلفة، وتم الحصول عليها من خلال تعريض حياة عناصر المخابرات للخطر وبحسب صحيفة يديعون أحرونوت، فإن هذه المعلومات السرية والحساسة جدا تثبت أن طهران مازالت تسعي إلي بلوغ قدرات نووية، بعكس ما جاء في تقرير المخابرات الأمريكية الأخير. أما في الشأن الفلسطيني فقد نجحت إسرائيل أن تقنع بوش بأهمية توجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة ضد أوكار الإرهاب علي حد تعبيرها ووقف سقوط القذائف الصاروخية علي جنوب إسرائيل، ويبدو أن الإدارة الأمريكية أبدت أيضا تفهما لهذا الأمر، وستتيح الفرصة لإسرائيل للدفاع عن مواطنيها. إذن فإن زيارة الرئيس بوش بكل المقاييس جاءت علي هوي رئيس الوزراء الإسرائيلي خاصة في هذا التوقيت الحرج الذي يعاني من أولمرت من عواصف يمينية متطرفة تهدد حكومته بالسقوط، وتطالبه بالاستقالة خاصة بعد تداعيات حرب لبنان ،2006 وسيطرة حماس علي قطاع غزة. حماس التي سارعت وهاجمت الزيارة وأعلنت أنها غير مرحب بها وتأتي في سياق السياسية الأمريكية القائمة علي العدوان وتعزيز الشقاق والانقسامات بين شعوب المنطقة حفاظا علي مصالحهم الإسرائيلية وتسويقا لمخططاتهم الاستيطانية اعتبرت أن زيارة بوش تخدم الأهداف الإسرائيلية بكل وضوح علي حساب الملفات الفلسطينية المعلنة وهي بذلك محقة إلا أن هناك وجها آخر من الواقع ان يفرض نفسه فالتدخل الأمريكي المحسوب لصالح إسرائيل علي إطلاق ودون مراعاة للمصالح الفلسطينية حتي في حدودها الدنيا يأتي في ظل الواقع الجديد الذي فرضته سيطرة حماس علي غزة وفي ظل الانقسام الجيوسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وحالة الشقاق والصراع الدموي الذي طال أبناء الوطن الواحد وخدم أهداف اسرائيل بسهولة. لكن علي نحو آخر وأي كانت الأهداف الأمريكية من زيارة بوش وأيا كانت نتائجها فإن سياسة التجاهل الأمريكية حيال الملف الفلسطيني والتي استمرت سبع سنوات مضت قد اثبتت فشلها وقد تكون الإدارة الأمريكية ربما بهدف انتخابي أو حتي محاولة لوضع هذا الملف علي طاولة الإدارة القادمة تقر بجوهرية وأهمية هذا الملف وقد لا يعني ذلك العودة إلي السياسة الخارجية أيام كلينتون بل هي محاولة لتعديل حدة الانحراف من خلال الجمع بين الملفات في المنطقة. ورغم ردود الأفعال المتفاوتة لزيارة بوش للأراضي الفلسطينية والغرض من هذه الزيارة والنتائج المترتبة عليها فإن هناك بصيص نورا في نهاية النفق شديد الظلام قد ينبئ بأن المصلحة الفلسطينية تقتضي الاهتمام بهذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية أيا كانت بواعثه في الوقت ذاته الكف عن رهن المواقف السياسية بالمطالبة بتحقيق النتائج الحاسمة فورا لأن ذلك لن يحدث ولن يكون واقعيا فالتجارب السابقة أثبتت بما لا يدعو للشك صحة ذلك كما أن الولاياتالمتحدة الحليف الاستراتيجي لإسرائيل لا يمكن أن تحقق انجازات سياسية علي المسار الفلسطيني بعيدا عن المصلحة الإسرائيلية بهذه السهولة حتي وإن كانت زيارة الرئيس الأمريكي بوش لا يمكن أن تكون عابرة أو لمجرد القيام بجولة سياحة سياسية فهي جاءت بقرار من الإدارة الأمريكية وتتويجا لسياستها الخارجية التي بدأت بعض ملامح التغيير الاستراتيجي فيها منذ تقرير بيكر - هاملتون بالإضافة إلي ملاحظتها إلي حجم التداخل بين ملفي معالجة الإرهاب في المنطقة والملف الفلسطيني الإسرائيلي ومحاولتها التأكيد علي أن إقامة الدولة الفلسطينية باتت مصلحة إسرائيلية أمريكية في إشارة إلي أنها تضع حدا لخيار الدولة الثنائية القومية والتي تصب في المصلحة الإسرائيلية أيضا في نهاية المطاف.