أعتقد ان المستشار جودت الملط الذي يعري كل الامور "المدارية" مع الجهاز المركزي للمحاسبات لا يحظي بحب الكبار في الحكومة، لانه دائما يكشف المستور والمستخبي ويقوم بتشريح حقيقي للبيانات والمعلومات ليوضح الحقائق بعيدا عن سياسة التزيق بلفها في ورقة سلوفان بألوان زاهية. لقد أعجبني صراحة الملط التي أعلن من خلالها ان نجاحات كثيرة حققتها الحكومة، لكنها للأغنياء وان مأمورية ضرائب واحدة مخصصة لكبار الممولين، متأخراتها تصل الي 5.38 مليار جنيه، وان المؤسسات الصحفية مدينة ب 5 مليارات جنيه لاموال اخذتها من الغير، ولم تسددها، وبالتالي فهي امانة لديها.. المستشار الملط شخّص المرض الحكومي بامانة ووضوح.. فالحقائق لا تعلن، والسلبيات يتم اخفاؤها.. ولا يتم التصريح الا بالكلام في الايجابيات فقط، كما لو كنا نعيش في دولة افلاطونية.. الشفافية مطلوبة.. ويجب الاعلان عن السيئات قبل الحسنات، فقد انتهي عهد اخفاء الامور لان كل شيء ظاهر وواضح. أرجو من الحكومة ان تقرأ التقرير بعمق وان تعي كل ما حواه بالنسبة لمحدودي الدخل الذين لا يتم توزيع عوائد الانجازات عليهم بشكل عادل مقارنة بالاغنياء.. وأتمني ألا تمر عبارة "سياسة تعطيش السوق جعلت أغلب المواطنين غير قادرين علي شراء السلع الاساسية" مرور الكرام.. بل ان يتم بحث هذه القضية الهامة والحيوية لوضع الحلول لها لكي تسود العدالة الجميع. الأمل في ان يقرأ النواب التقرير بإمعان.. وان يعملوا علي تعظيمه، وان يتم توجيه الحكومة من خلال المناقشات لتلافي الاخطاء؛ فهي جسيمة لانها تمس الشعب الذي جاء بالنواب تحت قبة البرلمان.. لا نريد ان يقول التاريخ ان حكومة "نظيف" هي للاغنياء ورجال الاعمال.. بل لشعب مصر المحروسة، الفقراء قبل الاغنياء؛ لانهم قادرون علي عبور أي صعاب، بينما الفقراء سيغرقون في "شبر ميه". * لم يفت المستشار الملط وضع النقاط فوق الحروف وتحتها.. فالرجل قذف بالكرة الي النواب ليتحملوا مسئولياتهم امام الشعب والتاريخ عندما اعلن ان مهمة جهاز المحاسبات تنحصر في القاء الضوء علي الحسابات الختامية جمعا وطرحا، ولا علاقة له بتقييم اداء ونشاط الحكومة سلبا وايجابا، وان الجهاز عين السلطة التشريعية في الرقابة علي وحدات الدولة بالنسبة للقوائم المالية، ويراقب اداء الحكومة واستخداماتها للمال العام.. تري، هل تعمل السلطة التشريعية علي تعظيم دورها بعد ان شخّص لها الجهاز المرض؟ *** ** 1000 تقرير ارسلها الجهاز المركزي للمحاسبات الي مجلس الشعب خلال 9 سنوات؛ أي بواقع أكثر من 111 تقريرا في كل سنة من التسع! تري هل يسعي المجلس للعمل علي معالجة ما بها من اخطاء بعد قراءتها اذا كانت لم تقرأ لان مكانها ليس في الملفات؟!