بنظير بوتو أو الشمس الساطعة لماذا عادت إلي باكستان وهي تعلم أن حياتها ستكون في خطر..! لماذا تركت وتخلت عن الاقامة المريحة في دولة الامارات العربية المتحدة وذهبت إلي بلد يعاني فراغا أمنيا داخليا وتتأجج فيه الحروب والفتن العرقية والمذهبية.!! هل تستحق الاضواء والشهرة والسعي وراء "الكرسي" كل هذا الثمن.. وهذه التضحية..! ان بنظير بوتو التي غرر بها وأعادوها لباكستان للقضاء عليها والتخلص منها هي واحدة من قصص عشق الأضواء والزعامة والبحث عن السلطة التي هي نوع من الادمان لا يستطيع بعض الأشخاص أن يبتعدوا عنه أو يعالجوا منه..! فلم يكن هناك دور يذكر لبنظير علي الساحة السياسية لباكستان بعد عودتها ولم تجد سبيلا إلي البروز والحصول علي دعم وتأييد الوصي الأمريكي علي باكستان إلا بأن تعلي نبرة صوتها في الهجوم علي التيار الإسلامي والأصوليين في باكستان وأن تضعهم جميعا في خانة التطرف وتتعهد بالقضاء عليهم وتسليم قادتهم إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية لمحاكمتهم. وهي مغامرة سياسية دفعت ثمنها بصورة عاجلة وسريعة لتختفي تماما من الحياة السياسية ولتكون عبرة لمن يجرؤ علي أن يقتحم المحرمات السياسية في باكستان المتعلقة بالدين والعقيدة. وقصة بنظير وعشق السلطة والأضواء هي نفس قصة المتمسكين بالسلطة في كل مكان في العالم الثالث والذين عشقوا بريقها ومزاياها فبحثوا عن السبيل للاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن ولو كان ذلك علي حساب مصالح شعوبها وأمانيهم الوطنية. وليس ببعيد قصة الرئيس الفنزويلي شافيز الذي بدأ حكمه ثوريا واندمج في الحكم ولاحقته الأضواء فتحول إلي شبه ديكتاتور يسعي إلي تعديل الدستور والبقاء في السلطة طوال العمر وهو ما رفضه شعبه. وقصة ديكتاتور كوبا كاسترو قصة أخري مشابهة للثوري الذي ظل في كرسي الحكم عقودا طويلة من الزمان رافضا التخلي عنه رغم ظروف مرضه التي تجعله عاجزا عن ادراك ما حوله واتخاذ القرارات السليمة. والأمثلة كثيرة في دول مختلفة من العالم الثالث وحيث التمسك بالسلطة هو السمة الغالبة وحيث توج مقاومة شديدة لمحاولات الإصلاح والنهج الديمقراطي وحيث تقف الشعوب عاجزة عن فرض ارادة التغيير ازاء وجود طبقات قوية من المنتفعين وأصحاب المصالح الذين يقاومون بكل شدة الأفكار والدعوات التي تحد من احتيازاتهم وسلطاتهم. والحقيقة أن "الكرسي" الذي يجلس عليه أي مسئول في العالم الثالث يختلف كثيرا عن "كرسي" المسئول في العالم المتقدم فالمسئول في العالم الثالث هو نصف إله له من السلطات الفردية ما يتعدي القانون واللوائح والاجراءات أما المسئول في العالم الغربي فهو منفذ للقانون وأحكامه بعيدا عن استغلال النفوذ والحصول علي الامتيازات الخاصة والتربح من الوظيفة. وفي العالم المتقدم هناك اعداد وتجهيز مستمر للقيادات وعملية احلال وتجديد إداري دائمة وبشكل علمي سليم أما في العالم الثالث فهناك عملية قتل بطيء وتدمير وتشويه لأي كفاءات أو قيادات جديدة بحيث تخلو الساحة تماما من أي أطراف أخري مؤثرة أو قادرة علي التأثير ويصبح من هو موجود علي الساحة هو الأفضل دائما عند المقارنة بمن يمكن أن يحل محله ولذلك تصبح عملية التغيير صعبة وبطيئة إن لم تكن في كثير من الأحيان مستحيلة. ويتساءل البعض.. ماذا يريد هؤلاء الناس الذين اكتمل لديهم كل شيء وحققوا ثروات ومكاسب خيالية ولماذا يعشقون السلطة إلي هذا الحد ويعرضون حياتهم للخطر كما فعلت بنظير بوتو..! والاجابة لا تحتاج إلي جهد كبير فالسلطة هي نوع من الامتاع الذاتي في وقت لن يفعل فيه المال الكثير من أجل صاحبه والسلطة هي القوة التي تحفظ هذا المال من الزوال وتمنع ملاحقة صاحبه أو التساؤل عن مصدره والسلطة هي اكسير الحياة الذي يمنح الانتعاش والصحة أيضا..! وبنظير بوتو امتلكت من المال الكثير وكانت لها مصالحها التجارية في إمارة دبي وزوجها من الأثرياء وكانت تنعم بالحياة علي أحلي ما يكون كما يتصور البعض ولكنها امرأة ذاقت حلاوة السلطة من قبل فلم تطق الابتعاد عنها ولم تؤمن أن دورها السياسي قد انتهي وأن المرحلة التي أتت بها إلي السلطة من قبل لن تتكرر فعاشت حلم العودة إلي كرسي السلطة وعاشت آمال المعجزة بأن تأتي إلي الحكم ولو علي آسنة رماح الأمريكان!! لقد راحت بنظير بوتو ضحية العمي السياسي في سبيل السلطة لأنها لم تر بوضوح القتلة الذين كانوا في انتظارها ولم تستمع إلي نصائح الذين قالوا لها إن حكما بالاعدام قد صدر بحقها ولم تدرك القاعدة الأولي لأي سياسي محترف وهي أن يعرف متي يتقدم ومتي يتراجع، متي يظهر.. ومتي يختفي.. فتقدمت في الوقت الخاطيء لتختفي من الصورة تماما في خطأ قاتل ارتكبته لأنه ما كان يجب عليها أن تعود إلي باكستان في هذه المرحلة أبدا..! [email protected]