ولد محمد طلعت بن حسن محمد حرب في "28 من رجب 1284ه./ 25 نوفمبر 1867م" بقصر الشوق في حي الجمالية بالقاهرة حيث يتعانق التاريخ وعطر البشر. يعود أصل أبيه الي قرية ميت أبو علي بمحافظة الشرقية شمال شرق القاهرة وكان والده من موظفي السكة الحديد ولم يكن علي درجة من الثراء أو الغني ويبدو ان المصاعب المالية التي واجهها الأب انعكست فيما بعد علي آراء الابن الاقتصادية ونوعية المشاريع الاقتصادية التي كان يري فيها خلاصا لمواطنيه وبلده. انهي طلعت حرب تعليمه الثانوي بمدرسة التوفيقية بالقاهرة ثم التحق في ذي القعدة 1302ه/ اغسطس 1885م بمدرسة الحقوق والإدارة التي أنشأها الخديو اسماعيل في نفس العام الذي ولد فيه طلعت حرب. تخرج طلعت حرب سنة 1306ه/ 1889م واشتغل مترجما بالقسم القضائي بالدائرة السنية وهي الجهة التي كانت تدير الاملاك الخديوية الخاصة وبعد فترة خلف محمد فريد في إدارة أقلام القضايا بالدائرة ثم انتقل مديرا للمركز الرئيسي بالقاهرة لشركة وادي كوم امبو. وفي منتصف عام 1323ه/ 1905م عين مديرا لشركة العقارات المصرية وأيضا لشركة كوم امبو خلفا للمدير اليهودي وكانت تلك هي المرة الأولي التي يتولي فيها مصري منصبا علي هذه الدرجة من الأهمية في شركات يملكها ويديرها ويسيطر عليها الأجانب وقد كتب مصطفي كامل في جريدة الأهرام في 8 من جمادي الأولي 1323ه/ 10 يوليو 1905م يهنئ طلعت حرب بهذا رغم ما بينهما من خلافات في الرأي. وفي عام 1326ه/ 1908م قرر طلعت حرب إنشاء شركة مالية سماها شركة التعاون المالي كانت تقوم بالأعمال المصرفية الصغيرة التي تتناسب ومقدرتها المالية وأهم ما قامت به الشركة هو تقديمها الكثير من القروض لأصحاب الأعمال الصغيرة في القاهرة عندما كان الإفلاس يتهددها وأوكل طلعت حرب الي صديقه د.فؤاد سلطان مهمة إدارتها وتفرغ لما هو أكبر من هذه الشركة وهو حملة الدعوة إلي تأسيس شركة مساهمة كبري لبنك مصر. بنك مصر.. الفكرة ونشأتها كان الأجانب الذين كانت مصر تمتلئ بهم بعد أن قدموا إليها مع بداية تولي محمد علي حكم مصر هم وحدهم الذين خاضوا تجربة تأسيس وإنشاء بنوك في مصر منذ مجيء محمد علي وفقا لنظام الاحتكار السائد والذي لم يسمح بظهور ثروات كبيرة بين المصريين. والطريف ان محمد علي نفسه حين واتته فكرة انشاء بنك لم يجد أمامه من يطمئن اليه سوي اثنين من "الخواجات" اليونانيين وعهد إليهما بإنشاء البنك علي أساس مشاركة الحكومة المصرية معهما. وحتي الحرب العالمية الأولي سيطر الأجانب علي جميع البنوك في مصر حتي ان الحكومة المصرية أودعت أموالها لدي البنك الأهلي بفائدة 5.1% مع علمها بان البنك يرسل هذه الأموال الي الخارج وبلغ الرأسمال الأجنبي في عام 1332ه/ 1914م حوالي 91% من مجموعة الأموال التي تستغل في الشركات المساهمة التي تزاول نشاطها في مصر. وفي ظل هذا الحال كان صوت طلعت حرب هو الصوت الاقتصادي الذي رأي أن السبيل لتحرير اقتصاد مصر هو انشاء بنك مصري برءوس أموال مصرية صرفة وأخذ يطوف القري والنجوع داعيا لإنشاء بنك مصر.. ولكنه قوبل بالسخرية والاستهزاء في أحيان كثيرة إلا أنه لم ييئس. وبخطوات هادئة وواثقة ظل طلعت حرب يدعو للمشروع وحين سمع بذلك المستشار المالي الانجليزي استدعاه لمقابلته وقال له: هل تتصور ان المصريين يستطيعون ان يديروا بنكا؟ انها صناعة الاجانب وحدهم بل انه نصحه بأن يشرك الاجانب في أي بنك يفكر بانشائه حتي يعطي المصريين شعورا بالثقة في هذا البنك. لكن طلعت حرب رد عليه بثقة: لقد قررت ان يكون هذا البنك مصريا مائة في المائة. وكانت أول شركة قام بنك مصر بتأسيسها هي مطبعة مصر برأسمال قدره 5 آلاف جنيه، وتدرج رأسمالها إلي أن اصبح 50 ألف جنيه ثم شركة مصر للغزل والنسيج في صفر 1346 ه - اغسطس 1927 م بالمحلة الكبري وبدأت برأسمال قدره 300 ألف جنيه ووصل إلي مليون جنيه عام 1355ه - 1936 م. وقرر طلعت حرب ان يمد نشاطه خارج العاصمة، فبعد انشاء بنك مصر بعام واحد تم افتتاح فرع بالاسكندرية، وفي عام 1340 ه - 1922 م كان البنك يفتتح فروعا له في أهم الأحياء التجارية بالقاهرة. بنك مصر في بلاد العرب كانت احدي أماني طلعت حرب هي انشاء فرع لبنك مصر في فلسطين، وسرعان ما تحولت الأمنية إلي مشروع جاد قابل للتنفيذ، ولكن لم يتحقق بسبب تهديد اليهود المصريين - ساعتها - بسحب أموالهم المودعة في بنك مصر حين سمعوا بعزم طلعت حرب انشاء بنك مصري فلسطيني في فلسطين. واذا كان طلعت حرب فشل في انشاء فرع لبنك مصري في فلسطين فإن النجاح حالفه في الشام، حيث انشأ بنك مصر سوريا لبنان الذي افتتح فعلا في شعبان 1348 ه - 1930 م. وكان لبنك مصر وجود في المملكة العربية السعودية حيث ساهم في اقامة فنادق في مكةوجدة وتمهيد الطرق بين مكةوجدة واقامة نظام للبرق، وتوفير سيارات الأجرة لنقل الحجاج برا.. إلا أن أهم ما قام به كان تثبيت سعر الريال السعودي لحماية الحجاج من جشع الصيارفة وذلك بعد ان اتفق طلعت حرب مع الملك عبد العزيز آل سعود علي ذلك.