استقدام العمالة الاجنبية في قطاعات صناعية وخدمية عديدة في مصر اصبح ظاهرة لافتة للنظر نراها حولنا كل يوم في المصانع والمدارس والمستشفيات والمناطق الاثرية والبيوت وغيرها من اماكن العمل المختلفة، ومعظم هذه المهن يستطيع ان يعمل فيها المصري بكفاءة لذلك فإن ما يحدث الآن يعتبر نوعا من الترف والعياقة والاستسهال ينم عن انعدام الحس الوطني ويهدد حق شبابنا في الحصول علي عمل يضمن له ولاسرته لقمة العيش وتؤمن له الحياة الكريمة، ولذلك يجب ان تكون هناك وقفة جادة وحازمة من الحكومة للحد من هذه الظاهرة السلبية ومعرفة المسئول عن انتشارها وخاصة في القطاع الصناعي بما يؤثر بالسلب علي اوضاع العمالة المصرية. وفي الفترة الاخيرة تعالت أصوات بعض أصحاب المصانع وبإلحاح للمطالبة بالتوسع في استيراد العمالة المطلوبة للعمل في المصانع ورفع المجلس التصديري للملابس الجاهزة والاثاث مذكرة للمهندس رشيد محمد رشيد يطلبون فيها السماح باستقدام 300 ألف عامل اجنبي لمصانع الملابس والاثاث، بحجة تدني كفاءة العامل المصري وعدم وجود برامج تدريب متطورة مما يسبب خسائر لمصانعهم. وقد تكون هناك مبررات حقيقية للاستعانة بالعمالة الاجنبية في قطاعات بعينها تحتاج إلي مهارات عالية وتخصصات دقيقة بشرط ان تقوم هذه العمالة بالمساهمة في نقل الخبرة للعمال المصريين وتدريبهم علي الاساليب الحديثة في العمل مما يرفع كفاءتهم ويكسبهم مهارات متقدمة فيتطور أداؤهم وترتفع الانتاجية وكذلك ضعف برامج التدريب التي ينظمها مجلس التدريب الصناعي ونقص المتدربين، ولكن معظم الاسباب غير مبررة بل غير مقبولة اقتصاديا او اجتماعيا ولا حتي من الناحية الادبية والاخلاقية مثل قولهم بأن الشباب المصري مدلل ويرفض العمل في المصانع مفضلا العمل الاداري علي الأعمال الفنية واليدوية، وهي اسباب تبدو مقبولة ظاهريا ولكنها في الحقيقية مرفوضة تماما لأنه ليس من المعقول السماح بالتوسع في استيراد عمالة من الخارج في ظل نسبة بطالة مرتفعة واعداد العاطلين تزداد كل يوم. الارقام الرسمية للعمالة الاجنبية بلغت 20 الفا و580 عاملا في الفترة من 1/7/2006 إلي 30/6/2007 طبقا لتصريحات سابقة لوزيرة القوي العاملة والهجرة لصحيفة الاهرام نحو 40% منهم حصلوا علي ترخيص للعمل لاول مرة، اما الارقام غير الرسمية تفوق هذه الاعداد بكثير بدليل ان رئيس غرفة الصناعات الهندسية صرح في نهضة مصر بان نقطة العمالة المدربة ادي إلي استيراد نحو 150 الف عامل آسيوي رغم ارتفاع تكلفة استيرادهم، لكفاءتهم العالية وارتفاع انتاجيتهم واكد ان هذه العمالة لا يمكن الاستغناء عنها لأن العامل المصري الكفء اصبح عملة نادرة تتنافس عليه المصانع وتحاول اجتذابه بالمرتبات العالية والحوافز مما يهدد استقرار العمل داخل المصانع. أحد أسباب هذه الظاهرة هو تخلف التعليم الفني الذي تم اهمال مدارسه لعقود طويلة حيث لا معامل او اجهزة وان وجدت فهي متهالكة وطرازاتها تجاوزها الزمن ومناهج عتيقة لم تشهد تطوراً منذ سنوات وحتي الفصول في معظم هذه المدارس دون ابواب ونوافذ ونسبة التسرب منها مرتفعة وهذا التعليم يحتاج إلي ثورة حقيقية تشمل تطوير كل ما يتعلق به والاستعانة بمجموعة من الخبرات العلمية والجامعية والتربوية ورجال الأعمال لوضع تصور لما يجب ان يكون عليه التعليم الفني واعادة تنظيمه بما يتناسب مع سوق العمل وحجم العمالة المتوقع لكل قطاع من الصناعات المختلفة، وقبل ذلك تغيير نظرة المجتمع إلي خريجي هذه المدارس من التجاهل والنظرة المتعالية الي الاحترام والتقدير ولأهمية هذا النوع من التعليم توليه الدول الصناعية المتقدمة ما يستحقه من اهتمام ورعاية لما له من تأثير مباشر علي التنمية والجودة والانتاجية.