المستفيد الوحيد من المنافسة الشديدة والشريفة التي تمت خلال انتخابات نقابة الصحفيين خاصة علي منصب النقيب.. هم الصحفيون. فالصحفيون جزء من هذا المجتمع الذي يعيش التحولات الاقتصادية، وجني ثمار هذه المرحلة الانتقالية مزيدا من التفقير، وهناك الكثير من الصحفيين "غلابة"، ولايستطيعون توفير حياة كريمة لأبنائهم وأسرهم. ولعل هذه الوضعية المتفاقمة هي الأرضية الخصبة لظهور أمراض المهنة مثل الفساد، والتربح، ومهنتنا ليست بمنأي عما يحدث من فساد في باقي قطاعات المجتمع. وهناك من الزملاء من ارتضي علي حساب كرامته وشرف الكلمة التي هي أمانة، أن يصبح بوقا لأحد أو عدد من رجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب، وربما لعدد من السياسيين. ناهيك أن المندوب تحول من صحفي يغطي أخبار الوزارة وجديدها كما هو مفترض إلي مندوب الوزير لدي جريدته، يفرد له المساحات، ويقاتل من أجل أن تنشر أخباره في الصفحات الأولي. والسؤال لماذا هذا التسابق، الذي يعمق فكرة تلميع الفرد المسئول؟ والاجابة بديهية يعرفها من يذوق عطايا المسئول من سفر وبدلات، وطبعا من المفترض أن يحصل الصحفي في أي مهمة عمل علي بدل من جريدته ولكن هذا لايحدث إلا بالنسبة للصحف القومية، حيث تكون البدلات هزيلة، فيعوضها الوزير من أموال الوزارة إلي جانب الامتيازات الأخري، شقة أو شاليه أو قطعة أرض، إذا كان الوزير أو المحافظ أو رجل الأعمال تحت سلطته ذلك. أو الحصول علي اعلانات الوزارة.. وكم من معركة و"خناقة" نشبت بين زملاء من أجل الفوز بتلك الكعكة. ويال العار والغرابة، عندما نستمع إلي قصص تفوح بالفساد حول موضوع الاعلانات الخاصة بالوزارات والشركات خاصة إذا كان فيها رؤساء التحرير أنفسهم أطرافا. والفساد امتد واتسع في مهنة الصحافة كغيرها من المهن، لكن مهنتنا لا تقبل الفساد، بل هي أحد أسلحة كشفه ومقاومته، لذلك فالأدعي أن تعالج أوضاع الصحفيين حتي يتحصنوا ويبرؤوا. وبداية العلاج تحسين الأوضاع، وقد استفاد الصحفيون من معركة النقيب، لأن الدولة التي تخاف من أي احتمالات لتسلل الاخوان أو النفوذ الاسلامي عبر نقيب ربما يحسب علي المستقلين، سارعت بإعلان زيادة في المرتبات بمقدار 200 جنيه. وقد اعتبرها البعض دعما لمكرم محمد أحمد ضد منافسه وانحيازا من الحكومة لمرشح وذهب البعض الاَخر إلي أكثر من ذلك فقالوا إنها رشوة انتخابية. وبعيدا عن كل تلك الأقاويل والادعاءات فإن الصحفيين استطاعوا أن يديروا معركة شريفة وأن يدفعوا الحكومة إلي "رمي بياضها"، لأن الحكومة لا تستجيب للمطالب إلا تحت الضغوط. فشكرا لرجائي الميرغني الذي خدم الصحفيين بهذه المعركة الحقيقية، وشكرا للأستاذ مكرم لأنه وظف جميع الملفات لصالح فوزه بأصواتنا. وهنيئا للصحفيين بهذا المكسب، وعقبال اصلاح المهنة، لأنها تستغيث.. أغيثوا الصحافة يا مجلس النقابة! نعم مغامرون.. رغم اهمال الحكومة الأستاذ مروان والمهندسة عبير بعثا لي نقدا شديدا تعقيبا علي مقالي الاسبوع الماضي بعنوان "مغامرون.. لا شهداء" واتهماني بأنني لا أعرف شيئا عما يقاسيه الشباب الذين يصل بهم اليأس والقنوط إلي الاندفاع في مغامرة موت، وقال مروان: إن حياتك بعيدا جدا عن المشكلات التي نعانيها نحن الشباب.. وقالت عبير: إن السادة الصحفيين يجلسون في برج عاجي ويكتبون وهم في راحة داخل مكاتبهم المكيفة، ويجهلون معاناة هؤلاء الشباب. وأنا أحترم هذه الاراء، بل وكنت أتوقع أكثر منها، حتي أن زميلتي القديرة الأستاذة فريدة الشوباشي عبرت عن عدم رضاها عما جاء في ذلك المقال.. ولكني اعتبر أن الشجاعة أن أكتب رأيا اقتنع به حتي لو كان ضد التيار. وردي علي هؤلاء الأصدقاء أني لم أكتب حرفا واحدا، ولم أشكل رأيا متكاملا يحمل هذا الموقف الذي صدمهم إلا بعد أن قابلت أكثر من خمسين من شبابنا الذين قاموا بالمغامرة وكتب الله لهم السلامة، وقد سألتهم في جميع الجوانب، ورأيت أنه كان بامكانهم أن يهتدوا إلي أفكار أخري داخل بلدهم تقيهم تلك المغامرات، لولا أن الحكومة "السعيدة" والنظام التعليمي والثقافي لم يعودهما علي التفكير الحكيم. وأني لم أعف الحكومة كما قلت في المقال الماضي من مسئولية هؤلاء الضحايا، لأنها أهملت كثيرا شبابها، وهم عماد مستقبل الوطن.. لكن المسئول عن حياة الفرد عندما تغيب الحكومة وتفرط في أدوارها يرجع للفرد نفسه، وألا نلقي بأنفسنا جميعا إلي التهلكة. وسوف أنشر الاسبوع القادم القصص كاملة التي سجلتها مع "شباب الموت" من واقع لقاءاتي بهم، ومن واقع ما ذكروه من حقائق دفعتني إلي بلورة ذلك الموقف السابق، لدرجة اعتبرتهم مغامرين. طالب جامعي في غيبوبة منذ عدة أشهر تلقيت هذه الرسالة في بريدي الالكتروني واعرضها عليكم علها تجد استجابة: في شهر ابريل من هذا العام كانت مجموعة من طلبة كلية التربية النوعية ببورسعيد في طريقهم في رحلة إلي مدينة "شرم الشيخ"، لكن وقع حادث مروع للاتوبيس الذي يحمل المجموعة، وكانت النتيجة عدد كبير من القتلي وعدد اخر من المصابين، في حادثة كانت حديث الجرائد لفترة طويلة. من بين الطلبة الذين اصيبوا اصابات بالغة، الطالب حمادة حسني 22 سنة وتم نقل المصابين إلي مستشفي شرم الشيخ، وكان تشخيص حالة "حمادة" حسب التقرير الطبي الصادر من المستشفي بتاريخ 15/4/2007 أن المريض يعاني من غيبوبة نتيجة كسر بالعظمة الأمامية للجمجمة مع رضوض بالفص الأمامي للمخ. تم نقل حمادة بعد ذلك إلي مستشفي عين شمس، وتحسنت حالته نسبيا حيث تمكن من تحريك بعض اطرافه، وإن ظل في الغيبوبة ثم يفيق وتنتابه حالات هياج شديدة. خرج حمادة من المستشفي وعاد إلي بيته في مدينة بورسعيد بعد أن قرر الاطباء أنه يمكن أن يتلقي علاجه في البيت، ولا جدوي من بقائه بالمستشفي.. تعيش أسرة حمادة الان في حزن شديد ومستمر وانتقل الخال ليقيم مع الاسرة، لأن حمادة عندما تنتابه حالات الهياج، يقوم بضرب والدته واخوته البنات ويخلع ملابسه، ويجري بلا وعي وهو بعد قوي البنية مما يزيد من صعوبة التحكم فيه، ويحتاج حمادة إلي دواء يتكلف 175 جنيه شهريا، حيث لا يقوم التأمين الصحي بتوفير هذا الدواء، كما يحتاج كذلك إلي 150 جنيه مصاريف نقل بسيارة خاصة من وإلي القاهرة حيث الطبيب المعالج "مخ واعصاب" وتقدر مصاريف علاج الطالب حمادة من 300 إلي 400 جنيه شهريا.