تم الاعلان مؤخراً عن تأسيس بنك الجنوب كبديل للبنك الدولي، حيث أعلن هوجو شافيز رئيس فنزويلا عن تأسيس هذا البنك للخروج من دائرة التبعية لصندوق النقد والبنك الدوليين، وقد تزامن مع هذا الاعلان نية فنزويلا الانسحاب من عضوية كل من صندوق النقد والبنك الدوليين بعد ان قامت بسداد كل الديون المستحقة عليها لهاتين المؤسستين الدوليتين سدادا معجلا. وكانت فنزويلا قد أعلنت العام الماضي عن قيامها بتأميم قطاع البترول من سيطرة الاستثمارات الامريكية وبدأت تسبح ضد تيارات العولمة والهيمنة في عصر غير مسموح فيه بالسباحة ضد التيار، ومع هذا فقد شاركت دول امريكا الجنوبية الاعضاء في تجمع ميركوسور في الخروج من دائرة الهيمنة السياسية والاقتصادية العالمية برعاية الولاياتالمتحدة، ويضم هذا التجمع أو التكتل الاقتصادي فنزويلا وباراجواي والأورجواي والبرازيل والارجنتين. ولم تتخذ الدول اللاتينية هذه الخطوات الانفصالية عن تيار العولمة من فراغ، بل كانت ضحية ممارسات صندوق النقد والبنك الدوليين لعقدين كاملين، فهذه الدول مجرد نموذج للتخريب الاقتصادي الذي مارسته هذه المؤسسات التمويلية الدولية فيها وأسفر ذلك عن زيادة معدلات الفقر، برغم وفرة الموارد الطبيعية والبشرية فيها، وبرغم كون البرازيل ثامن أكبر اقتصاد في العالم وكون الأرجنتين من أكبر الاقتصادات في العالم إلا أن التخريب الاقتصادي الذي مارسته فيها هذه المؤسسات قد افقر شعوبها فلم يبق للشعوب فيها إلا كرة القدم حيث فازت البرازيل عام 1994 بكأس العالم في كرة القدم وبكأس العالم في كبر رقم مديونيتها الخارجية!! ولم تفلح الاستثمارات الأمريكيية المباشرة في هذه الدول في تحقيق نهضة اقتصادية فيها، لأنها ركزت علي نهب المواد وتحويلها أولا بأول إلي أمريكا ونهدي هذه التجربة إلي من يراهنون ويعولون علي الاستثمارات الاجنبية المباشرة كقاطرة للتنمية، فهي ليست كذلك ولن تكون.. انها مجرد عامل مساعد فلم ولن تبني الاقتصاد الوطني لأي دولة طبقا لتجارب التنمية الاقتصادية في البلدان المختلفة. ولا يخفي علي أحد التخريب السياسي الذي مارسه نورييجا وغيره من عملاء المخابرات الأمريكية والذين نصبتهم رؤساء لدول في أمريكا اللاتينية في الثمانينات، ورعايتهم الكبيرة لزراعة وتجارة المخدرات إلي أن انتفي الغرض من وجودهم، فقامت بإعتقالهم ومحاكمتهم، وصورتهم للعالم في صورة دكتاتورية تنم عن محور الشر والإدمان، رغم كونهم مجرد كومبارس بدرجة رئيس جمهورية!! ولاشك ان تجمع ميركوسور والرئيس شافيز قد وضعا منهجا جديدا ومغايراً ومضاداً لنموذج النمو الرأسمالي الغربي الليبرالي بعد ان تمت تجربته واثبت فشله في دول التجمع اللاتيني، وسوف تكشف السنوات القليلة القادمة عن انضمام دول اخري اليهم للخروج من دائرة التبعية الاقتصادية والمالية للمؤسسات المالية الدولية ونأمل ان تصل الينا رياح التغيير في عالمنا العربي الذي لم يكن أسعد حظا من دول تجمع ميركوسور في تعاملاته مع صندوق النقد والبنك الدوليين، فالاختلاف بيننا وبينهم اننا عملاء جدد نسبيا للمؤسسات المالية الدولية بالمقارنة بهم. وليتنا ندرك في عالمنا العربي الكبير أن البترول لن يدوم إلي الأبد، واننا مازلنا أكبر مستورد للغذاء في العالم واحلم ان نستثمر فوائض البترول الكبيرة في تأسيس البنك العربي للانشاء والتعمير فمجرد مائة مليار دولار كفيلة بتأسيسه واجدي وانفع من بناء الابراج الشاهقة والمدن العائمة. فيا بلادنا العربية افيقي من التخمة المالية واعلمي أن الثروة المالية البترودولارية والبترويورو ليست من مقاييس ثروة الأمم الحقيقية في عالمنا المعاصر، كما ان بحوثاً للبدائل البترولية تجري علي قدمين وساقين لتجعل من بترولنا مجرد سائل تعوم عليه مدننا العائمة التي نبنيها حاليا، وندعو الله ألا يفلحوا في ذلك وأن يتم تأسيس البنك العربي الكبير للانشاء والتعمير ليكون اطاراً لتجمع الدول العربية بدلا من البنك الدولي الذي تؤدي روشتاته إلي وفاة الاقتصادات المريضة لدول العالم الثالث. خبير مصرفي